أخر الأخبار
الصفحة الأم / أخبار / قطر تقود حملة ضغط أجنبية حديثة

قطر تقود حملة ضغط أجنبية حديثة

مراكز الفكر والجامعات والمتاحف والصحف ولجان الكونغرس الرئيسية، كلها أجزاء في لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد تلعبها الدولة الخليجية الصغيرة مع منافسيها، باستخدام واشنطن كرقعة لعب خاصة بها.

يبلغ عدد سكان دولة قطر في الشرق الأوسط ما يزيد قليلا عن 300 ألف مواطن قطري، يعيشون في 11.586 كيلومترا مربعا من الرمال الفارغة على الغالب، وبالتالي فإن قطر قد تبدو كنقطة ارتكاز غير محتملة بهدف إعادة تشكيل السياسة والثقافة الغربية، وذلك من خلال المناقشات السياسية ومراكز الفكر والجامعات والمؤسسات الثقافية ذات الأسماء المرموقة، رغم ذلك وخلال العقد الماضي، عملت قطر بجهد منفرد النظير و الذي يعد الأكثر تطورا واستمرارا ونجاحا مقارنة بأي دولة أجنبية أو مجموعة مصالح  بهدف تشكيل و صنع السياسة الغربية  وخاصة الرأي الأمريكي  وتحويله لصالحها.

إن حجم الأموال التي صرفتها قطر على الحكومات المحلية والجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية ومراكز الفكر ووسائل الإعلام في جميع أنحاء أمريكا، وعدد الأدوات والمبادرات مثل حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، كل هاته الخطوات تستخدم للتأثير على الرأي الأمريكي ومن المستحيل اليوم أن نفهم كيف تعمل واشنطن دون أن تتمكن من فهم طبيعة ونطاق الحملة القطرية.

لقد حولت قطر بالفعل الكثير من ثروتها في مجال الطاقة نحو محفظة استثمارية تحسد عليها، وذلك بحيازات كبيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث أن استراتيجيتها المتمثلة في استخدام صناديق الثروة السيادية ووسائل الاستثمار الأخرى كأدوات سياسية، فعلى سبيل المثال لعب مسرحيات باستخدام المؤثرين من الجيل القديم وجعلهم يجمعون مساهمات لحملات خاصة بمرشحين سياسيين بقيمة 1000 دولار أو نشر مقالات افتتاحية من قبل ضباط الخدمة الخارجية المتقاعدين في صحيفة واشنطن بوست حيث تعادل هذه الخطوة كتابة خطابات باليد لجمع التبرعات، حيث أنه وخلال السنة الفارطة وحدها أعلنت قطر عن استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 2.8 مليار دولار في الشركات الأمريكية، كان معظمها موجها لولايات مثل ساوث كارولينا، حيث احتلت الدوحة مساحة كبيرة في مجال الفضاء وصناعة الطائرات بدون طيار التابع للولاية، كما يمارس ممثلو ساوث كارولينا المنتخبون تأثيرا كبيرا على لجان الكونغرس المسؤولة عن الإشراف على العلاقات الخارجية الأمريكية ونفقات الدفاع، ومنه قد دعا السناتور الكبير والمؤثر في ساوث كارولينا السيد ليندسي جراهام إلى حل الأزمة التي تضع قطر في مواجهة مباشرة مع جيرانها كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكن السناتور أثبت مرارا أنه ينتقد علنا الهدف الرئيسي لقطر، و الذي يتمثل في ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي بدوره يعتبر هو الحاكم الفعلي.

ورغم ذلك، فإن نسبة صغيرة فقط من نفقات قطر المهولة في الولايات المتحدة الأمريكية تذهب نحو التلاعب بولاءات السياسيين. بمعنى أوسع فإن استراتيجيات شراء النفوذ من قبل المملكة تعد مثالا نموذجيا لطريقة تحويل الأموال إلى قوة “ناعمة” في عصر تم فيه استبدال المؤسسات الأمريكية المستقلة سابقا مثل وسائل الإعلام المرموقة بمنصات تقنية أكثر تملقا وأكثر قابلية للتحكم بها، وذلك عبر دعم مقدم من طرف التحالفات الحزبية الممولة أصلا بمبالغ كبيرة من أموال الشركات والمصادر الأجنبية.

إن جهود قطر تضاعفت بشكل رسمي أربع مرات وذلك بهدف الضغط على الحكومة الأمريكية خلال عامي 2016-2017، وذلك انطلاقا من 4.2 مليون دولار ووصولا إلى 16.3 مليون دولار، لكن ذلك يعد مبلغا ضئيلا مقارنة بتكلفة الاستثمارات غير المباشرة في الثقافة السياسية الأمريكية، حيث أنه وخلال ثماني سنوات انطلاقا من 2009 الى 2017، قدمت مؤسسة قطر 30.6 مليون دولار لعشرات المدارس الأمريكية بداية من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية ويتضمن ذلك مدارس الثانوية العامة – وهو أيضا مبلغ زهيد مقارنة بأكثر من مليار دولار قدمتها دولة قطر للجامعات الأمريكية بين عامي 2011 و2017، مما جعلها أكبر ممول أجنبي للأوساط الأكاديمية الأمريكية حتى الأن حسب مجموعة المراقبة غير الحزبية، مشروع الإشراف الحكومي (POGO).

 وفي الواقع، ووفقا لمشروع الإشراف الحكومي كانت قطر الدولة الوحيدة التي قدمت أكثر من مليار دولار في السنوات السبع الأخيرة وذلك حسب البينات التي يغطيها قانون التعليم العالي، وفي نفس التقرير، تأخرت إنجلترا والتي تعد أكبر منفق أجنبي بأكثر من 200 مليون دولار، ويشير المثال الأخير المقتبس من تقرير خدمة أبحاث الكونجرس والذي تم تحديثه في مارس من هذا العام إلى أنه وفي يناير 2018، أقر الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودولة قطر بأن جهاز قطر للاستثمار التزم بدفع 45 مليار دولار على شكل استثمارات مستقبلية في الشركات و سوق العقارات الأمريكي”.

بالإضافة إلى كونها باهظة الثمن فإن استراتيجيات القوة الناعمة لدولة قطر هي أكثر تطورا وتعقيدا من سابقاتها، ولفهم كيفية عمل نظام التأثير الجديد، تخيل قاعة متحف تم إفراغها من جميع الأعمال الفنية أو الآثار التي اتفق الزوار مسبقا على أنها ذات قيمة، حيث أن هذا الفضاء الفارغ يمثل المجال العام الأمريكي والذي كان يدار ذات يوم من قبل مؤسسات سمحت لها استقلاليتها المالية ومعاييرها المهنية بتعزيز عمل بعضها البعض بهدف توضيح وتبيان الحقيقة لشريحة كبيرة من العامة.

ولكن بعد أن تبنت هذه المؤسسات تحالفات حزبية علنية ونظريات المؤامرة السامة كمصدر دخل، لم تعد قادرة على خلق واقع يتفق عليه عدد كبير من الناس، حيث أن الطريقة الوحيدة للحصول على اتفاق عابر في مثل هذا النظام المتحلل والمرتزق هي عبر شرائه وهذا يعني شراء أماكن متعددة في وقت واحد، كاليسار واليمين والوسط، وكذلك الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر واللاعبين السياسيين وشركات المحاماة وسائل الإعلام المرموقة وكذلك السياسيين البارزين، بحيث يبدو أن كل قطعة من المرآة المحطمة تعكس حقيقة مشتركة متفق عليها مسبقا، وتكمن صعوبة هذه المهمة بالطبع في أن الأوهام التي تم إنشاؤها بهذا الشكل تعتبر عابرة ومكلفة في نفس الوقت، ومنه فإن قطر تقدم مثالا نموذجيا عن طريقة لعب هذه اللعبة، طبعا لمن لديهم جيوب كبيرة بما يكفي.

يقول برنارد هيكل، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة برينستون: “إنه مكان صغير يحتوي على موارد كبيرة للغاية”، حيث يريد القطريون حماية أنفسهم وخلق مكانة مرموقة بحيث لا يمكن الاستغناء عنهم، طبعا يفعلون ذلك بشكل جزئي من خلال جعل قطر مقرا يستضيف الاجتماعات، على سبيل المثال إذا أرادت الولايات المتحدة التعامل مع طالبان فإن ذلك يتم عبر الدوحة “.

خلال نهاية الشهر الماضي، وقعت حركة طالبان ومسؤولون أمريكيون اتفاقية تسمح للقوات الأمريكية بالانسحاب النهائي من أفغانستان، وبذلك ستنهي الصفقة واحدة من أكثر الاشتباكات العسكرية كارثية في تاريخ الولايات المتحدة، ومع الوفاء بواحد من أهم تعهدات حملة الرئيس دونالد ترامب خلال سنة 2016 بإنهاء الحروب الخارجية التي لا طائل من ورائها، تعد هذه الصفقة كميدالية مهمة تملكها الدوحة ومن الممكن أن تكون الأخيرة، حيث أن المسؤولين القطريين والمعجبين بسياسة البلد يرون أن الشراكة بين الولايات المتحدة مع دولة تعتبر نفسها صديقة للجميع أمر جيد، في حين أن منتقدي قطر يرون أن المشكلة تقع هنا بالضبط.

 صرح خبير أمريكي متخصص في شؤون الخليج طلب الأخير عدم الكشف عن هويته: “قطر لها تأثير خطير على المصالح الأمريكية الأساسية”. المسألة هي أنهم منحلون هيكليا -فهم يحاولون دائما شراء الحماية أينما توفرت، إنهم يقدمون الأموال لأعداء الولايات المتحدة -مثل الإخوان المسلمين وحزب الله وحماس وجبهة النصرة في سوريا، في حين أنه ومن المفترض أن يكون القطريون حلفاء للولايات المتحدة ورغم ذلك فهم يمولون ويتعاملون مع مجموعات ودول معادية للمصالح الأمريكية “.

وبمأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة صرحت أنه وبسبب دعم قطر لتلك الجماعات والدول التي فرضت حصارا على دول مجلس التعاون الخليجي خلال يونيو 2017، أصدرت الرياض وأبو ظبي 13 طلب للدوحة، من أجل الاجتماع قبل رفع الحظر، وكان من بين المطالب الأخرى أن على قطر إغلاق قناة الجزيرة الإخبارية المشهورة عالميا، والتوقف عن دعم جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المسلحة، والابتعاد عن إيران وكذلك وقف التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، ويقصد بها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكان هناك مطلب ضمن قائمة المطالب الأخرى على أنه يجب على قطر مواءمة “سياساتها العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية مع دول الخليج والدول العربية الأخرى”.

لكن ومن وجهة نظر الدوحة فقد كانت المطالب بمثابة مطالبة قطر بالتخلي عن سيادتها، ولكن من وجهة نظر الرياض وأبو ظبي، فإن سياسات الجارة الأصغر تمثل تهديدا استراتيجيا، ولا سيما أن العديد من الشخصيات الموالية للسعودية والإمارات تؤكد علاقات قطر بالإسلاميين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، مثل طالبان وحماس وحزب الله والميليشيات الشيعية المتمركزة بالعراق وكذلك الجماعات السنية الارهابية.

أدى الصراع بين الكتلتين في دول مجلس التعاون الخليجي إلى تدفق هائل للثروة الخليجية إلى واشنطن حيث يملأ أعضاء جماعات الضغط والمستشارون وخبراء مراكز الفكر والصحفيون قوائم المرشحين على الجانبين المتنافسين، وكمثال فإن عضوة الكونغرس السابقة عن ولاية فلوريدا إليانا روس ليتينين هي من بين أحدث الأسماء الكبيرة في الكونغرس والتي تم تسجيلها كعضوة في جماعة ضغط إماراتية، في حين وقع السناتور عن ساوث كارولينا ليندسي جراهام نائب رئيس الأركان السابق مع قطر الصيف الماضي.

بالتأكيد فإنه ليس هناك سر في الأموال التي وزعتها القوى الأجنبية حول العاصمة الأمريكية، بل الواقع فإن الغرض من إنفاق الأموال هو إظهار القوة والنفوذ علانية، وبصرف النظر عن المال، فإن الهدف من أخذ الأموال من القوى الأجنبية هو المواءمة مع القوة التي تمثلها أموالهم، حيث لم يكن أي من الأمريكيين الذين تحدثت إليهم خلال كتابتي لهذه القصة أقل انفتاحا، بل أن البعض تفاخر حول علاقة العمل مع أحد الجانبين التابعين لنزاع دول مجلس التعاون الخليجي.

بقدر ما يتعلق الأمر بدونالد ترامب، فإن الحرب الباردة الخليجية مفيدة أيضا للولايات المتحدة الأمريكية، حيث صرح البيت الأبيض علنا إنه يريد من الجانبين أي كل حلفاء الولايات المتحدة حل خلافاتهم ولكن قبل أن تسقط وول ستريت معركتهم التي تقدر بمليارات الدولارات والتي غذت مناصب العمل في الولايات المتحدة، وليشتد التنافس الذي كان في صالح ترامب حيث أنفق طرفا النزاع في دول مجلس التعاون الخليجي بسخاء على شراء الأسلحة والطائرات العسكرية وكذلك الناقلات المدنية، وأيضا الاستثمار في العقارات والتصنيع في جميع أنحاء البلاد من نيويورك إلى تكساس، حيث كانت الوظائف التي أوجدها الإنفاق الخليجي جزءا مهما سبب تمتع الولايات المتحدة في أبريل بأدنى معدل بطالة منذ سنة 1969.

الرئيس دونالد ترامب يلتقي بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في العاصمة واشنطن، 9 يوليو2019،
العاصمة القطرية الدوحة

لكن هل الموجات الهائلة من السيولة النقدية الخليجية التي تجتاح واشنطن وبقية البلاد مفيدة بالفعل لأمريكا؟ وبغض النظر عن هذا، تلتزم دول الخليج بمجموعة من القيم تختلف تماما عن تلك التي يلتزم بها الأمريكيون، في ظل ديمقراطية غربية علمانية تعتمد على السوق الحرة، حيث أن الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة يعملون على تحديث سريع تحت قيادة ديناميكية مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، لكن لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه، فمثلا القوى العاملة التي استوردتها قطر من شبه القارة الآسيوية لبناء المواقع التي سيقام بها كأس العالم 2022 يوصف مع مبالغة طفيفة فقط على أنه استعباد.

في بعض الأحيان، يبدو أن عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية خاصة عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي، أصبحت معركة بالوكالة بين المعسكرين المتعارضين في الخليج، حيث تنتقد المملكة العربية السعودية علاقة قطر بالجماعات الإرهابية لكنها تتخطى علاقتها السابقة مع حماس وبحسب ما ورد حاولت كل من الرياض وأبو ظبي العمل كوسيط مع طالبان.

وبقدر ما قد يجيب اتفاق السلام الأفغاني على رغبة أمريكا المتحمسة في تقليص وجودها في الشرق الأوسط، فإنه يمثل أيضا معضلة لقطر، والتي ربما استفادت أكثر من أي شخص آخر من تواجد أمريكا في المنطقة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وفي الآونة الأخيرة كان البنتاغون يستعد لرحيله من الشرق الأوسط حيث نقل بعض عمليات الطائرات بدون طيار من قاعدة العديد الجوية الضخمة والحديثة في قطر إلى ساوث كارولينا.

إذن ماذا ستفعل قطر بدون أمريكا في الصحراء؟ هل ستنقل ممتلكاتها إلى أمريكا، بالطبع فإن صراع قطر الوحشي مع منافسيها في دول مجلس التعاون الخليجي حول السيادة في واشنطن يعتبر هو أيضا محاولة لتشكيل مستقبل البلاد وربما بقائها.

وصل القطريون إلى ثروتهم في وقت متأخر نسبيا، أي في أوائل إلى منتصف التسعينيات، حيث يعتمد معظم جيرانهم الخليجيين على النفط كمصدر للدخل، حيث وجد القطريون الغاز الطبيعي في الخليج الذي يفصلهم عن إيران، ويشترك الاثنان في أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، كما أن البنية التحتية للغاز الطبيعي في قطر بنيت من قبل شركة إكسون، ثم تحت قيادة وزير خارجية دونالد ترامب ريكس تيلرسون.  تمتلك قطر أعلى دخل للفرد في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها الإجمالي أقل بقليل من 2.5 مليون نسمة، معظمهم من العمال الأجانب بما في ذلك المحامون والاستشاريون الأوروبيون في الجزء العلوي من الهرم ّوصولا الى العمال من جنوب آسيا في الجزء السفلي، حيث أن العمال الهنود يقدرون بـ 650 ألف أي ما يقرب ضعف عدد القطريين الأصليين.

إن اكتشاف الغاز الطبيعي وضع قطر على خريطة العالم، حيث كانت هناك ثلاث فترات رئيسية في تاريخ البلاد: 1995-2013 أي عهد حمد بن خليفة آل ثاني، الذي شهد صعود قطر كلاعب رئيسي على المستوى العالمي، ثم الفترة الممتدة بين 2013 و2017، والتي تخللها إعادة ضبط السياسة الخارجية في عهد نجله تميم، ومنذ عام 2017 إلى الوقت الحاضر حيث أدى الصراع داخل دول مجلس التعاون الخليجي في واشنطن إلى دفع الاستراتيجية القطرية.

تحكم أسرة آل ثاني قطر منذ منتصف القرن التاسع عشر، ويعد الشيخ حمد الشخصية التاريخية البارزة في تاريخ البلاد بلا منازع، حيث يعتبر الأمير السابق الذي حكم البلد من 1995 الى سنة 2013، وخطط لصعود البلاد من خلال موارد الطاقة الهائلة والاستثمارات الدولية، وكذلك قام ببناء كل من قناة الجزيرة وقاعدة العديد الجوية، أضفى حمد الطابع المؤسسي على السياسة الخارجية للبلاد، ويصف الحلفاء هذه السياسة بأنها علاقات صداقة مع الجميع – لكن يصفها الخصوم  ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بأنها متهورة ومصابة بالفصام.

مع بدء الربيع العربي في سنة 2011، راهن الشيخ حمد على المصالح القطرية في صعود الإسلام السياسي، ودعم الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس وكذلك الجماعات المسلحة في ليبيا وسوريا، وأثارت حسابات الدوحة الخاطئة حفيظة جيرانها في الرياض وأبو ظبي، وفي سنة 2013، انطلقت قطر مجددا عندما تنحى حمد عن منصبه لصالح ابنه تميم البالغ من العمر 39 عاما، الابن المدلل لموزة بنت ناصر، أكثر زوجات حمد الأربع بريقا وتأثيرا.

خلال أربع سنوات، سيجد تميم نفسه في وسط أزمة الحصار، التي يقول الكثيرون إنها نتيجة دعم والده للحركات الإسلامية.

حيث يقول خبير الشرق الأوسط شادي حميد: “إيران ليست القضية الأولى التي تقسم دول مجلس التعاون الخليجي. دبي لديها علاقات تجارية أقرب مع إيران مقارنة بالدوحة”، يوضح حميد أن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي “توترت حقا بسبب الربيع العربي، وقد ضغطت السعودية والإمارات على قطر بسبب دعمها للإسلاميين وبلغ هذا الضغط ذروته خلال الحصار”.

يعتقد خبراء إقليميون آخرون أنه كان من الحتمي تقريبا أن تدعم قطر الحركات الإسلامية.

 يقول المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ديفيد دي روشيه: “كدولة صغيرة بجوار دولة كبيرة، فأنت تسبح في اتجاه التيار”.   حيث يشبه علاقة قطر بالسعودية مع كندا والولايات المتحدة “يبدو الأمر غريبا، على سبيل المثال أن يبذل الكنديون قصارى جهدهم لاستيعاب كوبا”، كما يقول دي روشيه، لكن هذه إحدى الطرق التي يميزون بها أنفسهم عن الأمريكيين، التناقض هو جزء لتجنب الاستيعاب “.

تتشكل الاستراتيجية السياسية المعقدة لقطر من خلال جغرافيتها وعلاقاتها مع القوى العظمى ومواردها الطبيعية بالإضافة إلى مزاج العائلة الحاكمة الحاد.

المملكة العربية السعودية ليست الجارة الكبيرة الوحيدة التي يجب على قطر أن تحسب لها حسابا، حيث أن ثروتها وأمنها وقدرتها على توجيه السلطة متعلق بجارتها إيران، التي تملك حقل فارس الجنوبي، في حين أن قطر تشترك معها في حقل غاز الشمال، ومما يزيد الأمور تعقيدا أن المملكة العربية السعودية، التي تعتبر زعيم العالم العربي السني، وإيران التي تملك قيادة ونظام ديني شيعي، منخرطون في منافسة تشبه الى حد بعيد الحرب الباردة ضد العالم الإسلامي، و في بعض الأحيان تطور الصراع إلى عمليات عسكرية فعلية، كما حدث في الربيع عندما أطلقت إيران صواريخ على منشآت النفط السعودية، حيث أن الدوحة حاولت الموازنة بين التكيف والعدوان، على الرغم من أن الأخير عادة ما تكون متسامحة لأنها لن تحمل تحويل أي منهما إلى عدو مباشر.

على سبيل المثال، فإن قطر متورطة في عملية القتل التي استهدفت القائد الإيراني قاسم سليمان، حيث سارع منتقدو قطر إلى ملاحظة أن الشيخ تميم كان أول رئيس دولة يزور إيران بعد الضربة، واتفق هو والرئيس حسن روحاني على أن التهدئة والحوار هما السبيل الوحيد للمضي قدما، لا بد أن روحاني غاضب بسبب أن الطائرات الأمريكية بدون طيار التي تم إرسالها لتنفيذ العملية ضد سليماني تم إطلاقها من القاعدة الأمريكية في قطر.

تلعب قطر لعبة مزدوجة كما يزعم منتقدوها، لكن كما توضح الحلقة فإن الدوحة تدرك أيضا أن واشنطن هي أهم حليف لها ودرعها الواقي، حيث تم الاعتراف رسميا بهذه العلاقة على أعقاب عملية عاصفة الصحراء عندما أبرمت واشنطن والدوحة في عام 1992 اتفاقية تعاون دفاعي تتضمن وجود القوات الأمريكية في قطر، والتخزين المسبق للمعدات العسكرية الأمريكية ومبيعات الأسلحة، حيث تم تجديد الاتفاقية في سنة 2013 لمدة 10 سنوات أخرى، وهي فترة قصيرة نسبيا في سياق منطقة شهدت تلاشي إمبراطوريات عظيمة.

خلال سنة 1995، أطاح حمد بوالده خليفة بن حمد آل ثاني في انقلاب أبيض، في ذلك الوقت وقف السعوديون والإماراتيون إلى جانب الأب، وبحسب ما ورد حاولوا إعادته إلى العرش، للمحافظة على الوضع الراهن، فكلاهما يتضرر من عدم الاستقرار الإقليمي، وكعائلات ملكية فإنهم يستهجنون الانقلابات العائلية خوفا من أن يطبق عليهم هذا المثال من طرف أقربائهم، علاوة على ذلك يقول الناشط السياسي اللبناني لقمان سليم: “السعودية تعتبر نفسها على أنها عراب  الخليج، وعلى الجميع تقبيل الخاتم واتباعه، السعوديون يرون قطر ليس فقط كقوة محلية أصغر ولكن كمقاطعة سعودية.” في الواقع فإن العائلات المالكة في كل من المملكة العربية السعودية وقطر تنتمي إلى نفس المنطقة في شبه الجزيرة العربية أي منطقة نجد، وبالتالي فإن الصراع الإقليمي قبلي جزئيا، وهو صراع بين عشيرة أصغر وعشيرة أكبر.

يقول محلل الشرق الأوسط في واشنطن سيغورد نيوباور: “تعتقد المملكة العربية السعودية أن مصيرها لقيادة الخليج أمر لا نقاش فيه.”، نفس الشيء ينطبق على الإمارات، السعودية بسبب حجمها والإمارات لأنهم يعتقدون أنهم اكتشفوا كل شيء، لقد بنوا مدنا يريد الناس العيش فيها، مثل دبي، التي يرون أنها موجة المستقبل، يريدون من قطر الانسحاب، نفسيا فقد تم تجاوز الحاجز عندما حصلت قطر على تنظيم كأس العالم، حيث لم يفهم السعوديون والإماراتيون كيف يمكن لقطر استضافة كأس العالم ولم يتمكنوا هم من ذلك “.

تستخدم قطر أدوات القوة الناعمة للتأثير على الرأي ولتبين قوتها في المنطقة والخارج، مثل الإعلام والرياضة والثقافة، فضلا عن القوة الصلبة، يملك الشيخ حمد مشروعين يعتبران الأقدم والأكثر أهمية ويمثلان طبيعة فن الحكم القطري -مبادرة القوة الصلبة والناعمة التي أظهرت أن قطر كانت صديقة لكلا الجانبين، أو تلعب لعبة مزدوجة، ففي سنة 1996، أنفقت الدوحة مليار دولار لبناء قاعدة العديد الجوية، والتي ستصبح قاعدة مهمة ورئيسية للعمليات العسكرية الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. في نفس العام كشف حمد النقاب عن مشروع جديد كان من المقرر أن يحول الإعلام العالمي في حين أنه أعطى صوتا لمناهضة أمريكا، وأبرزها أسامة بن لادن عبر الجزيرة.

بعد 11 سبتمبر وغزو العراق بقيادة الولايات المتحدة، أصبحت شبكة الأخبار الفضائية واحدة من أشهر المؤسسات الصحفية في العالم، حيث كانت وسائل الإعلام العربية في السابق تتألف من عشرات الأسواق الوطنية المغلقة، التي تسيطر عليها عادة الدولة أو العشائر السياسية وأجهزة المخابرات التي تصوغ الأخبار وفقا لميول السلطة الحاكمة، ومنه قامت قناة الجزيرة بتغطية الأحداث في جميع أنحاء المنطقة، وربما الأهم بالنسبة لجمهور التلفزيون العربي الذي سئم من التغطية الموجع التي تعمل على إطراء الحكام، وتصدت للأنظمة الحاكمة  وخاصة القوى الإقليمية المتحالفة مع واشنطن ومصر والمملكة العربية السعودية والتي كانت أهدافا قطرية أيضا  ليس من قبيل الصدفة.

على الرغم من أن الموظفين الأصليين للشبكة جاءوا من تجربة بي بي سي الفاشلة باللغة العربية، إلا أن توجهها الأيديولوجي كان مؤيدا للإسلاميين بشكل علني، حيث كان الشخصية الشهيرة التي تتمثل في يوسف القرضاوي، وهو عالم مصري المولد ينتمي الى الإسلام السني حيث انتقل الى الدوحة في عام 1961 هربا من جمال عبد الناصر خلال حملة تطهير الإخوان المسلمين، ثم أصبح القرضاوي أكاديميا والمسير الحصري للإعلام في قطر، ففي برنامجه على قناة الجزيرة  “الشريعة والحياة”  قدم النصائح حول كل شيء من العادة السرية إلى التفجيرات الانتحارية وكلاهما مسموح به  لكن الأخير ضد الإسرائيليين فقط.

القرضاوي كان حجر الزاوية في قناة الجزيرة بعد أحداث 11سبتمبر، عندما اكتسبت الشبكة شهرة عالمية لبثها حصريا رسائل بن لادن على شريط فيديو، كانت تغطية قناة الجزيرة للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق سنة 2003 مؤيدة بفخر للمقاومة، وفي عام 2004 أصدر القرضاوي فتوى تقول إنه من واجب المسلمين مقاومة “قوات الاحتلال”.

في الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة تقود مهمات خارج قاعدة العديد ضد نفس القوات التي كانت قناة الجزيرة تهتف لها، فالسياسة القطرية كما يقول النقاد ليست عادلة بل انفصام في الشخصية.

يقول محلل سعودي “في سنة 2003 انسحبت الولايات المتحدة من المملكة العربية السعودية لأن أيديولوجيين إسلاميين رفضوا تواجد الجيش الأمريكي في شبه الجزيرة العربية. ” انتقلت الولايات المتحدة إلى قاعدة العديد والآن يدفع القطريون الى نفس الإسلاميين السعوديين الذين أرادوا رحيل الولايات المتحدة، حيث أنهم يزورون الأمير وذلك على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من قاعدة العديد “.

أصبحت قاعدة العديد الجوية والجزيرة الأسس التي بنت عليها قطر حملتها للتأثير العالمي، بعد ذلك جاءت مجموعة منتقاة بعناية من الجامعات الأمريكية الكبرى، والتي تم اختيارها على ما يبدو من منطلق المميزات الخاصة بها من حيث الموقع الجغرافي وكذلك مواقع المادي في الولايات المتحدة، والتي افتتحت فروعا جامعية لها في الدوحة، ووفقا لتقرير صدر عام 2016، تنفق قطر أكثر من 400 مليون دولار سنويا لدعم جامعات الدوحة وهي 6 جامعات أمريكية – جامعة كارنيجي ميلون و جامعة جورج تاون  و جامعة نورث وسترن وجامعة تكساس إيه آند إم  وكلية طب وايل كورنيل وموقع خارجي لكلية الطب بجامعة كورنيل  وقسم الفنون التابع لجامعة فرجينيا كومنولث.

قد تنفق قطر المزيد من الأموال بشكل مباشر على مؤسسات التعليم العالي ففي وسائل الإعلام الأمريكية والتي ذكرت الشهر الماضي أن قطر هي واحدة من بين عدة دول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والصين، التي أغرقت الجامعات الكبرى مثل جامعة ييل وهارفارد بأكثر من 6.5 مليار دولار من التمويل الأجنبي غير المبلغ عنه، ووجدت دراسة أجراها معهد دراسة معاداة السامية والسياسة العالمية أن “متطلبات وإجراءات الإبلاغ الفيدرالية كانت غير كافية لتتبع التمويل الوارد من الخارج. وهذا يشمل أكثر من 3 مليارات دولار قدمتها قطر ودول الخليج، والتي لم يتم إبلاغها من قبل الجامعات إلى مصلحة الضرائب أو وزارة التعليم “.

“تعتبر استراتيجيات شراء التأثير القطرية مثالا نموذجيا حول كيفية تحويل الأموال إلى قوة ناعمة.”

مولت قطر أيضا المدارس الثانوية، من خلال برامج اللغة العربية، ومنذ سنة 2009، قدمت مؤسسة قطر الدولية “الدعم المباشر للمدارس التي ترغب في إنشاء أو توسيع برامج اللغة العربية على مستوى المدارس الابتدائية والثانوية. بحلول عام 2017، ووفقا لتقرير وول ستريت جورنال، على مدى فترة الثماني سنوات الماضية قدمت مؤسسة قطر الدولية 30.6 مليون دولار “لعشرات المدارس من ولاية نيويورك إلى ولاية أوريغون كما دعمت المبادرات لإنشاء أو تشجيع نمو البرامج العربية”.

تشرف موزة بنت ناصر، أحد صانعي القرار الرئيسيين في قطر، على مشاركة الدوحة العالمية مع الفن ومن خلاله، وباعتبارها راعية للفنون ومبعوثا غير رسمي إلى الغرب يساعد في تعزيز انفتاح قطر على بقية العالم. 

يقول مسؤول أمريكي سابق خدم لعدة سنوات في الدوحة وأصبح قريبا من الأسرة الحاكمة: “لقد كانت قطر منهجية تماما في إنشاء المتاحف “، “لديها اهتمام بالفن العالمي والإقليمي. إنها تعتبر الثقافة والتعليم ركيزتين أساسيتين “.

وتشمل المتاحف القطرية ومتحف الفن الإسلامي ومتحف قطر الوطني والمتحف العربي للفن الحديث ومتحف الرواق ومتحف كتارا، يعتقد أن قطر تنفق أكثر من مليار دولار سنويا على الفن -وهو رقم قد يقلل بشكل كبير من هذه النفقات، حيث كتب أحد النقاد أن استثمار قطر في الفن هو “عرض للهوية العربية واستمرارها، والتحدي الذي يواجه قطر والسبب الرئيسي في تطورها بشكل مختلف عن الإمارات العربية المتحدة، هو كيف تصبح دولة حديثة دون تبني الثقافة الغربية “.

لسوء الحظ، كانت معاداة الصهيونية إحدى الركائز الأساسية للهوية العربية الحديثة على مدى السبعين عاما الماضية بالإضافة إلى رعاية الفنون. وهكذا، ساعدت الشيخة موزة أيضا في احتضان المقاطعة وسحب الاستثمارات، والعقوبات التي تمنع حركة الجامعات الأمريكية، تظهر وثيقة وزارة العدل لسنة 2009 أنها وظفت شركة (Fenton)، وهي شركة اتصالات مقرها الولايات المتحدة حيث عمل مؤسس منظمة جي ستريت جيريمي بن عامي في منصب رفيع المستوى حتى مغادرته نحو شركة نامية منافسة (AIPAC) في نهاية سنة 2007، على الرغم من أنه لا يوجد دليل على ربط بن عامي بالحملة القطرية، كانت وظيفة شركة (Fenton) هي المساعدة في إنشاء منظمة الفخورة، وهي منظمة مقرها الدوحة تستهدف الطلاب في الولايات المتحدة، ينص إعلان نشر على موقع الفاخورة على هدف المجموعة وهو “عزل الفصل العنصري الإسرائيلي من خلال الأحداث المرتبطة بدعوة المجتمع المدني الفلسطيني للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.” وظهرت وثيقة في فبراير 2010 بعنوان “عقد اتصالات شركة فنتون لحملة الفخورة” تم حفظها من قبل وزارة العدل في أرشيفها الرقمي لملفات فرع قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، ومن بين الأنشطة التي وافقت شركة فينتون على تقديمها لعملائها “صاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر آل- مسند ، فهو يتضمن ما يلي: “إدارة وبناء علاقات مستمرة مع الطلاب الأمريكيين والعمل مع المنظمات الشريكة لإدارة علاقات الطلاب الأخرى في أوروبا والشرق الأوسط”، بالإضافة إلى الترويج لحركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وغيرها من الإجراءات المعادية لإسرائيل في الحرم الجامعي، كما شاركت منظمة فاخورة أيضا في شكل نشاط غير أكاديمي، وكان مدير المنظمة  فاروق بيرني على متن السفينة التركية “مافي مرمرة” التي حاولت كسر حصار غزة في سنة 2010.

كما أشار التقرير نفسه أن التمويل الإجمالي القطري في التعليم العالي في الولايات المتحدة بلغ أكثر من 3 مليارات دولار، كما أشار الى “وجود علاقة مباشرة بين تمويل الجامعات من قبل قطر ودول الخليج ووجود مجموعات مثل طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP)” والذي سبب بيئة متدهورة وعدوانية تغذي مناخا معاديا للسامية.”  وخلص التقرير إلى أن الجزء الأكبر من تبرعات الشرق الأوسط يأتي من متبرعين قطريين (75٪)، وأن مؤسسة قطر تمثل جميع التبرعات تقريبا، حيث “تؤثر هذه الأموال بشكل كبير على المواقف والثقافة المعادية للسامية وأنشطة المقاطعة. “

في منتصف الشتاء كنت أتناول الغداء مع مسؤول أوروبي سابق يتمتع بخبرة واسعة في الشرق الأوسط، والذي عرض شرح استراتيجية الاستثمار في قطر، ولتوضيح هذه النقطة، اقترح أن نلتقي في كونراد، الفندق الذي افتتح حديثا والمكون من 360 غرفة في وسط مدينة واشنطن والذي يعد جوهرة تاج ممتلكات بيلتواي في الدوحة – في وسط العاصمة، يقع المشروع العقاري متعدد الاستخدامات (سكني ، تجزئة ، مكتبي) على مقربة من البيت الأبيض حيث بدأ في سنة 2011 باستثمار 620 مليون دولار من شركة الديار القطرية العقارية، ذراع الاستثماري العقاري لجهاز قطر للاستثمار، حيث تستضيف قطعة الأرض التي تبلغ مساحتها 10 فدادين علامات تجارية للبيع بالتجزئة مثل Ferragamo و Hermès و   Paul Stuart  ومجموعات المطاعم الدولية مثل DBGB   وMomofuku، كما أن غرفة الطعام الرئيسية في فندق كونراد رائعة، وهي قاعة بسيطة باللون الرمادي والبني.

 يقول المسؤول إن استراتيجية الاستثمار في قطر “تعتمد جزئياً على مراقبة ما فعله جيرانهم السعوديون والإماراتيون ‏بثرواتهم‎.”

كان هناك نجاحات وإخفاقات. يقول: “لقد أنشأ الإماراتيون مدناً من لا شيء، مثل دبي وأبو ظبي، وهي موضع حسد الكثير من بقية العالم”.

سكان نيويورك، باريس، وحتى أهل القاهرة وبيروت يستطيعون التفكير في الهياكل عملاقة المصنوعة من الفولاذ والزجاج والتي زرعت في صحراء قاحلة، ولكن بالنسبة إلى آسيا وإفريقيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق، فإن دبي والدوحة ليسا مجرد محاور سفر تربط، على سبيل المثال، مدينتي مومباي ولندن، ولكنهما يمثلان بعض الفرص القليلة المتاحة لأب فلبيني أو أم عزباء من كازاخستان للخروج من هذه المنطقة الفقيرة.

يوضح المسؤول أن “قطر كانت تتمتع بميزة كبيرة، “لقد وصلوا إلى الثراء بعد جيرانهم حيث يعرف القطريون أن غازهم سينفد في مرحلة ما، وتتطلع استثماراتهم إلى المستقبل للتأكد من أنهم سيكونون بخير عندما يتم استنفاد مواردهم “.

ولتوسيع محفظة الدوحة وتقليل اعتمادها على أسعار الطاقة، أسس الشيخ حمد في عام 2005 جهاز قطر للاستثمار الذي يمتلك الآن ما يقرب من 330 مليار دولار من الأصول، حيث يمتلك جهاز قطر للاستثمار استثمارات واسعة في جميع أنحاء أوروبا، مع حصص كبيرة في شركات ومؤسسات مالية بريطانية وفرنسية وألمانية، بما في ذلك فولكس فاجن، وبورشه، وفرانس تيليكوم، وكريدي سويس، ورويال داتش شل. تشمل مقتنياتها في لندن وحدها محلات سانزبيري وهارولدز والقرية الأولمبية ومبنى السفارة الأمريكية في غروزفينر سكوار، بالإضافة إلى 8٪ من بورصة لندن، و8 ٪ من بنك باركليز و25 ٪ من محلات سانزبيري ويقال إنهم يمتلكون مساحة أكبر في لندن مقارنة مع شركة كراون للعقارات. 

ومن بين أفضل العلامات التجارية الأوروبية المعروفة التي استثمر القطريون فيها هي فرق كرة القدم، مما يسمح لهم أيضا بالتنافس مع الإماراتيين الذين يحبون كرة القدم، كلاهما يرى أنه وسيلة للترويج لعلامتهما العالمية،  ففي عام 2012 اشترت شركة قطر للاستثمارات الرياضية فريق كرة القدم الفرنسي باريس سان جيرمان، كما ترعى الخطوط الجوية القطرية الناقل الوطني المملوك للدولة عددا من الفرق الرئيسية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك نادي روما الإيطالي، وبايرن ميونيخ في الدوري الألماني، وبوكا جونيورز في الأرجنتين، وسابقا نادي برشلونة الإسباني القوي.

والأمر البارز أن قطر ستستضيف كأس العالم 2022، ويعتمد بناء المواقع المختلفة مثل الملاعب الجديدة والفنادق على العمالة الغير مكلفة من بنغلاديش ودول أخرى من شبه القارة الآسيوية، كما أظهر تقرير سنة 2015 وفاة 1200 عامل وتشير التقديرات إلى أنه بحلول وقت الانطلاق الأول وذلك في نوفمبر 2022 قد يكون هناك ما مجموعه 4000 وفاة ضمن هؤلاء العمال.

يصف منتقدو قطر جهود الدوحة لغسل انتهاكات حقوق الإنسان من خلال العلامات التجارية الرياضية المعروفة “سبورت واشينغ” ويعد كنقد مناسب لهذه الحالة، لكن الثروات تستخدم عادة لإخفاء الوسائل الأقل متعة التي تم الحصول عليها من خلالها، ولذلك فإن كل ما هو جيد لعائلة ميديتشي وعائلة كارنجي هو جيد بما يكفي لعائلة آل ثاني.

يقول الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني ديفيد دي روشيه، أن قطر “لديها استراتيجية واعية للغاية لكسب النفوذ، إنهم منفتحون بشأن الغرض من استضافة الاجتماعات والمؤتمرات والمعارض الدولية “.

وفقا لبرقية ويكيليكس خلال سنة 2009، أخبر أحد المغتربين المقيمين في الدوحة دبلوماسيا أمريكيا أن “القطريين أوضحوا له أن سعيهم لعقد مؤتمرات دولية، واستضافتهم لقواعد عسكرية أمريكية، ومشاركتهم المستمرة مع الآخرين، كلها جزء من استراتيجية لحماية قطر، قال له أحد القطريين: “ليس لدينا جيش، لذا فكر في المؤتمرات على أنها حاملات طائرات، والقواعد العسكرية هي أسلحتنا النووية”.

الوافد هو هادي عمر، وهو مواطن أمريكي مولود في بيروت، والذي خدم في خلال إدارة أوباما، بعد أن شغل منصب مدير مركز بروكنجز الدوحة.

بدأت العلاقة بين أحد أكبر مراكز الأبحاث في واشنطن العاصمة وقطر في سنة 2002، عندما اشتركت الإمارة في مؤتمر الدوحة الذي ضم وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني والسفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك، ثم مدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في بروكنجز، وفي سنة 2007، أعلنت مؤسسة بروكنجز أنها ستفتتح مركزا لها في الدوحة.

 قال إنديك في البيان الصحفي: ” سيسعى مركز بروكنجز الدوحة إلى إقامة شراكة دائمة بين كبار صانعي السياسة والعلماء في الولايات المتحدة، وأولئك في العالم الإسلامي.”   وستستضيف أيضا الزملاء الزائرين من معهد بروكنجز والعالم الإسلامي.

 رأى البعض أن الجمع بين سلطة الدولة ومؤسسة البحث أمر مشكوك فيه.

 قال سليم علي والذي عمل كزميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة في قطر، والذي قال إنه قد تم إبلاغه: “إذا كان أحد أعضاء الكونجرس يستخدم تقارير بروكنجز، فيجب أن يكون على دراية أنه لا يعرف القصة كاملة.”  وخلال مقابلة العمل التي أجراها أنه لا يستطع اتخاذ مواقف تنتقد الحكومة القطرية في الصحف. “ربما لم يحصلوا على قصة مغلوطة، لكنهم لا يعرفون القصة كاملة.”

بين عامي 2002 و2010، لم تكشف مؤسسة بروكنجز عن المبلغ الذي تلقته من قطر، وفي عام 2011 منحت قطر مؤسسة بروكنجز 2.9 مليون دولار، و100 ألف دولار في عام 2012، وفي عام 2013 قدمت منحة لمدة أربع سنوات بقيمة 14.8 مليون دولار في خلال سنة 2013 تماما عندما أصبح إنديك مبعوث إدارة أوباما من أجل عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وفي عامي 2018 و2019 تبرعت سفارة قطر لمعهد بروكنجز بما لا يقل عن مليوني دولار.

لقد نفد جزء كبير من انخراط الدوحة مع العالم في اجتماعات قطر، ومعهد تطوير الحوافز والمؤتمرات والمعارض (QMDI) ، الذي يروج لدولة قطر كمكان جيد للأعمال، كما يجمع منتدى الدوحة السنوي كبار صانعي السياسات من جميع أنحاء العالم – كانت ابنة ترامب ، إيفانكا ، ووزير الخزانة ستيف منوشين ، والسناتور ليندسي جراهام من بين أكبر الأسماء في نسخة 2019، وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حاضرا أيضا ، و في عام 2018  دفعت قطر تكاليف رحلات ستة من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين حضروا المنتدى.

كما يتعاون منتدى الدوحة مع عدد من الشركاء الاستراتيجيين، بما في ذلك وسائل الإعلام الأمريكية، مثل بلومبرج، ومجلة فورين بوليسي، وباز فيد، والتي غطى المنتدى تكاليف سفر مراسليها وأماكن إقامتهم بهدف تغطية المنتدى. وخلال عام 2019 وقع عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة كشركاء استراتيجيين بما في ذلك مؤسسة بيل وميليندا جيتس، ومعهد ماكين، ومؤسسة راند، ومركز ويلسون، ومركز ستيمسون، ومجموعة الأزمات الدولية، حيث أظهر تقرير في مارس 2019 في واشنطن فري بيكون أن قطر منحت (ICG) 4 ملايين دولار والتي غالبا ما ينقل عن رئيسها روبرت مالي مساعد إدارة أوباما السابق على أنه خبير محايد في المنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط في صحيفة نيويورك تايمز.

يرى بعض المحللين الإقليميين أن دور قطر كوسيط يمكن أن يكون مفيدا للآخرين، بما في ذلك المساعدة في تحرير الرهائن. وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، شكر دونالد ترامب الشيخ تميم على مساعدة قطر في تحرير رهينة أميركي وآخر أسترالي من قبضة طالبان، كما لعبت قطر دورا في تأمين إطلاق سراح الجندي الأمريكي بوو بيرغدال سنة 2014 مقابل خمسة من الشخصيات البارزة في حركة طالبان التي تحتجزها القوات الأمريكية في أفغانستان.

ووفقا لدراسة أجراها جوناثان شانزر، نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بين عامي 2011 و2017، بينت مشاركة قطر في محادثات الرهائن خلال 18 مرة منفصلة، كما دفعت الدوحة مئات الملايين من الدولارات للجماعات الإرهابية في اليمن وسوريا ولبنان والعراق من أجل إطلاق سراح الرهائن العرب والغربيين والآسيويين، وزعم منتقدو قطر بقيادة السعودية، أن الدوحة كانت تستخدم عمليات الخطف كستار لتمويل الجماعات الإرهابية، و في الحقيقة  قد لا يكون التمييز بين دفع فدية كبيرة للجماعات الإرهابية وكتابتها على شيك كبير مفيدا من الناحية الوظيفية بالنسبة للجماعات الإرهابية على الأقل.

إن حصار دول مجلس التعاون الخليجي على قطر فرض بشكل جزئي فقط، حيث تقول العديد من المصادر، وأنه وبسبب دفع فدية ضخمة لكل من الجماعات السنية والجماعات الإرهابية الشيعية التي فازت في الإفراج عن العشرات من القطريين، بما في ذلك أفراد من العائلة المالكة، الذين خطفوا في العراق خلال رحلة صيد، استمرت المفاوضات لإطلاق سراحهم أكثر من عام ونصف، وانتهت في أبريل 2017 عندما دفع القطريون مئات الملايين من الدولارات للجماعات

الإرهابية السنية وكذلك الميليشيات التابعة لإيران وللحرس الثوري الإيراني نفسه، حيث يعتقد أن قاسم سليماني وحده قد أخذ حصة من الصفقة بمبلغ 50 مليون دولار

“تتشكل الاستراتيجية السياسية المعقدة لقطر من خلال جغرافيتها وعلاقاتها مع القوى العظمى ومواردها الطبيعية بالإضافة إلى مزاج العائلة الحاكمة الحاد.”

كان السعوديون غاضبين، حيث يقول محلل سعودي له علاقات بالقصر الملكي: “من المفهوم أنهم يريدون تحرير شعبهم”.  لكن هذه الأموال تستخدم لمحاربة السعودية، في كل يوم تقوم الرياض بقتال كل من القاعدة، كما أن الإيرانيين يطلقون الصواريخ على مطاراتنا، قطر ليس لديها تلك المخاوف “.

 تقول الدوحة إنها تحارب الإرهاب، حيث أشار المسؤولون القطريون الذين تحدثت إليهم بفخر إلى مذكرة التفاهم الأمريكية القطرية بشأن تمويل الإرهاب الموقعة بعد شهر من الحظر المفروض في يونيو 2017، حيث قال وزير الخارجية تيلرسون في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: “الاتفاقية التي وقعناها كلانا نيابة عن حكومتنا تمثل أسابيع من المناقشات المكثفة بين الخبراء وتنشط روح قمة الرياض”. 

يقول مسؤول أمريكي سابق: “إنهم يحرزون تقدمًا جيدًا.”  “هناك المزيد من العمل الذي يتعين بنا القيام به، ولكن يمكنك تعميم ذلك عن كل دول الخليج.”

البعض الآخر أكثر تشككا. يقول محلل سعودي: “لقد أرادت الولايات المتحدة مذكرة التفاهم المتعلقة بتمويل الإرهاب لفترة من الوقت ولم تحصل عليها إلا بعد الحصار لأن القطريين كانوا في مواجهة الجدار”.

تاريخيا، كان القطريون متساهلين بشأن مقاضاة وإدانة ممولي الإرهاب. في بعض الأحيان قاموا بحمايتهم، وفي التسعينيات، قامت قطر بإيواء زعيم القاعدة البارز خالد شيخ محمد، ومع اقتراب مكتب التحقيقات الفيدرالي منه في عام 1996، قام عبد الله بن خالد آل ثاني، أحد أفراد العائلة المالكة ووزير الداخلية السابق، بإخبار نائب بن لادن.

يقول المحلل السعودي: “إن حقيقة توقيع قطر على مذكرة التفاهم التي تحاول الولايات المتحدة الضغط من أجل توقيعها لمدة 10 سنوات تثبت النقطة التي كنا نطرحها”، حيث أنه من غير الممكن أن يكون هناك 10 آلاف جندي أمريكي وإرهابيين مدرجين في قائمة الولايات المتحدة يتسوقون في نفس مراكز التسوق في العاصمة الدوحة، لا يمكنك جعلهم يندفعون إلى القوات الأمريكية مسلمين أنفسهم بسهولة، إن الطلب الذي قدمته أمريكا معقول جدا “.

 الغريب، يبدو أن حكومة إسرائيل تدعم على الأقل بعض تمويل الإرهاب في قطر، حتى مع شكوى إسرائيل المستمرة بخصوص أن الدوحة تستضيف مسؤولين من حماس مثل إسماعيل هنية، سمحت إسرائيل أيضا لقطر بمواصلة ضخ الأموال في غزة على أمل منع حرب أخرى، حسب أفيغدور ليبرمان، حيث أرسل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مسئولين استخباريين وعسكريين كبار إلى الدوحة لـ “استجداء” القطريين من أجل مواصلة دفع الأموال لحماس، على الرغم من أن الدوحة سئمت من المنظمة الإرهابية الفلسطينية.

 للسعوديين تاريخهم المتقلب في تمويل الإرهاب، وغالبا ما يتجاهلون الدور الذي لعبه السعوديون على هامش المؤسسة الحاكمة في تمويل الهجمات والتحريض عليها، حيث أنه بعدما شن تنظيم القاعدة عمليات كبرى داخل المملكة والتي تستهدف المغتربين وقوات الأمن، وبعد وقت قصير من أحداث 11 سبتمبر، عملت الرياض من أجل القضاء على الإرهاب، ولم يكن على قطر أن تواجه هذه المعضلة، وربما لن تفعل ذلك أبدا.

يقول أحد المؤرخين من الولايات المتحدة، ومتخصص في قضايا الشرق الأوسط: “السياسة الخارجية القطرية مثل بوليصة التأمين.”   يتمثل نشاطهم الإقليمي الرئيسي في استخدام الإخوان المسلمين لإظهار نفوذهم، إنهم مثل الاتحاد السوفيتي السابق، الذي استخدم الأحزاب الشيوعية المحلية في جميع أنحاء العالم لنشر نفوذه، القطريون يفعلون الشيء نفسه مع الإخوان، سواء في تونس أو مصر أو فرنسا، أنه نموذج أكثر تطورا من النموذج السعودي، حيث أن الرياض لا تملك حركات شعبية يمكن الاعتماد عليها، لكن قطر تفعل ذلك “.

علاوة على ذلك، يشرح خبير الشرق الأوسط شادي حامد قائلاً: “ترى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في جماعة الإخوان المسلمين تحديا وجوديا، كما يرون أنها سرية، وتتعامل بخطاب مزدوج وهذا يمثل تحديا بالنسبة لهم إنهم يشعرون بمناهضة محمد بن سلمان بقوة، كما أنه لديهم رؤيتهم الإسلامية الخاصة، إنهم يروجون لفكرة إسلام الدولة، الهادئ “.

وكما كتب توماس بيريت الخبير في شؤون الشرق الأوسط: “لا تحتقر المملكة العربية السعودية الإخوان المسلمين فحسب، بل تحتقر الحركات الإسلامية السياسية والسياسات الجماهيرية عموما، والتي تعتبرها تهديدا لنموذجها الملكي الوراثي المطلق، إن سياسات السعودية ليست مدفوعة بالعقائد الدينية، كما يفترض في كثير من الأحيان، ولكن من خلال المخاوف بشأن استقرار المملكة، والتي تترجم إلى دعم للقوى السياسية التي هي بطبيعتها محافظة أو معادية للحركات الإسلامية “.

يتهم السعوديون وغيرهم من المنتقدين بأن السياسة الخارجية القطرية تهدف إلى استرضاء الجماعات الإرهابية ولكن القيادة القطرية لا ترى الإخوان مسلم على أنهم تهديد، يقول حميد، مؤلف كتاب الاستثناء الإسلامي: كيف يعيد الصراع على الإسلام تشكيل العالم، يكتب حميد بشكل متكرر عن جماعة الإخوان المسلمين وعاش في قطر لمدة أربع سنوات، وكان يعمل في معهد بروكنجز الدوحة، يقول حميد: “كانت هناك جماعة الإخوان المسلمين القطرية، لكنها حلت نفسها عام 1999″،  “إنها دولة صغيرة ولذا من الصعب تجنيد أعضاء هناك،  بالإضافة إلى ذلك نظرا لثروة البلاد  هناك عدد قليل نسبيا من المواطنين الساخطين، وقليل من الأشخاص الذين ينجذبون عادة إلى وعود الإخوان المسلمين بالعدالة الاجتماعية والخدمات التي تقدمها عادة في جميع أنحاء البلدان الإسلامية “.

 يقول حميد وخبراء إقليميون آخرون إن الحصار يتعلق في الأساس بالإسلام السياسي، حيث دعمت الدوحة جماعات الإخوان في جميع أنحاء المنطقة، وعلى الأخص في مصر وسوريا. يقول حميد: “إن قطر تدعم بعض الحركات الإسلامية التي يعتبرها السعوديون والإماراتيون تدخلا في شؤونهم الداخلية”، “لهذا السبب يأخذون الأمر على محمل شخصي أي فرع للإخوان المسلمين يعتبرونه مشكلة، المشكلة هي أن القطريين ليس لديهم أي حافز للتخلي عن دعم هذه الجماعات وفقدان النفوذ، و مع الحصار  أراد السعوديون والإماراتيون إرسال رسالة مفادها أن العالم العربي لا يمكن أن يمر عبر فوضى الربيع العربي مرة أخرى “.

بعد الفشل الذريع للربيع العربي، سعت الدوحة إلى إعادة العلاقات مع جيرانها ونقل السلطة داخل عائلة آل ثاني وحل تميم محل حمد.

 يقول نيوباور: “كان الأمر الرسمي المتعارف عليه هو أن الانتقال من الأب إلى الابن كان دائما مخططا له،” لكن يمكن القول إن تنازل قطر عن العرش عام 2013 كان نتيجة لسياسات الربيع العربي، خاصة في مصر وسوريا، وأن الدوحة أرادت أن تبدأ بدولة نظيفة. من منظور قطر، بعد 2013، فعلت كل ما طلبها السعوديون منها “.

يقول خبراء آخرون إن تميم هو مجرد شخصية صورية وأن حمد لا يزال هو صاحب القرار، إلى جانب رئيس الوزراء السابق القوي حمد بن جاسم، حيث يقول أحد المحللين الإقليميين: “حمد بن جابر مؤيد للإخوان وقومي عربي.” “أيضا في الأماكن الخاصة أوضح بشكل صريح أنه لا يحب أمريكا كثيرا.”

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، التقى قادة دول مجلس التعاون الخليجي، بمن فيهم تميم المتوج حديثا وذلك في العاصمة السعودية للتوقيع على “اتفاق الرياض”، وتعهدوا بعدم التدخل في السياسة الداخلية لجيرانهم، كان عليهم التوقف عن دعم جماعات المعارضة ووسائل الإعلام “العدائية”، أي الجزيرة على ما يبدو، لكن في 2014 حدث إجراء مسبق نبأ بحظر قريب والذي كان في يونيو 2017، حيث سحبت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة في مارس 2014 بدعوى أن قطر لم تلتزم بنصيبها من الصفقة.

بعد أن طلب السعوديون والإماراتيون من القطريين إغلاق شبكتها المؤيدة للإخوان المسلمين، نوعت الدوحة محفظتها من خلال استثمارات في البرمجة العلمانية -أي شبكة قومية عربية، وفي يناير 2015 أطلقت قطر شبكة العربي، وهي شبكة باللغة العربية مقرها لندن تم وضعها كقوة موازنة لقناة الجزيرة، القوة الكامنة وراء المحطة هي عزمي بشارة، ذو التوجه الماركسي السابق والبالغ من العمر 63 عاما والذي أسس حزب سياسي عربي إسرائيلي،  في عام 2007 فر بشارة من إسرائيل للاشتباه في قيامه بالتجسس لصالح حزب الله ونظام الأسد خلال حرب لبنان الثانية.

وصل إلى الدوحة حيث أصبح، مثل القرضاوي قبل عقود أي مستشارا للأسرة الحاكمة.

قال لي صحفي سعودي بارز: “عندما يريد تميم رؤيته، يتعين على القصر التحقق للتأكد من أن جدول بشارة فارغ”.

وصرح بشارة لوسائل إعلام فرنسية إنه ليس له دور رسمي في عهد الأمير، أنا مثقف وهناك صداقة وثقة بيننا، عندما يريد رأيي أعطيه له، أنا أقل من مستشار وأكثر من مستشار “.

بشارة هو رئيس المركز العربي للأبحاث والسياسات، وهو مركز فكري مقره الدوحة وله فرع في واشنطن العاصمة، ومن بين الزملاء يوسف منير الذي يدافع عن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. 

لكن آخرين يقولون إن دور بشارة مبالغ فيه إلى حد كبير، قال لي ناشط قطري مقيم في واشنطن على الهاتف: “إنه قومي عربي من المدرسة القديمة.” ” حيث تعتقد الأسرة الحاكمة أن عليها واجب حماية هؤلاء المثقفين الفلسطينيين الذين ليس لديهم من يرعاهم ومنه بشارة لا يدير أي شيء “.

لكن المصادر العربية تصر على أن بشارة هو المخرج الفكري الجديد لقطر. يقول محلل سعودي: “إنه مناهض للإسلاميين لأنه قومي عربي من المدرسة القديمة”.   “هؤلاء الرجال يكرهون السعودية دائمًا لأنهم مستاؤون من الثروة النفطية” علمنا البدو الرياضيات وهم مدينون لنا بتقاسم ثروتهم !”  حيث تتماشى مصالحه مع مصالح قطر، في الوقت الحالي، لذا فهو مفيد لهم “.

يقول الناشط اللبناني المستقل لقمان سليم، “بشارة يعرف كيفية العمل من خلال وسائل الإعلام، وانه يدير أساسا الجناح العلماني للصحافة القطرية.”

 بالإضافة شبكة العربي، وتشمل المبادرات الإعلامية العلمانية الحديثة الأخرى والمواقع الناطقة باللغة العربية مثل العربي الجديد والمدن هذا الأخير، كما يقول سليم، “من المحتمل أن يكون لديه أفضل تغطية للأحداث العربية اليوم”.

لكن شبكة الأقمار الصناعية ومقرها لندن هي التي فتحت آفاقا جديدة، عرض العربي الأكثر شعبية في الوقت الحالي هو “The Joe Show” الذي قدمه الكوميدي المصري يوسف حسين

يقول صديق سليم، وهو رجل أعمال لبناني طلب مني عدم كتابة اسمه في الطباعة: “إنه أمر حاد ومثير للسخرية” “بصراحة، إنها ليست دعابة عربية حقا، إنها أشبه بالفكاهة اليهودية.” 

نحيف يضحك. يقول الناشط اللبناني: “هذا هو الهدف من بشارة “. “إنه على مستوى عالٍ للغاية بسبب المكان الذي ينتمي إليه. إنه من إسرائيل “.

لقد استخدمت المبادرات الإعلامية القطرية الأخيرة كسلاح لمشاعر بشارة المعادية لإسرائيل كجزء من حملة التأثير ضد اليهود الأمريكيين – وحتى ضد مسؤول أمريكي كبير مؤيد لإسرائيل، كانت انتخابات مجلس الشيوخ في تكساس لعام 2018 بين السناتور تيد كروز والنائب بيتو أورورك أكثر الحملات ضراوة وتكلفة في تاريخ مجلس الشيوخ، حيث وبحلول نهاية الصيف كان من الواضح أن كروز يعتبر ناقد بارزا لقطر والجزيرة، كان ضعيفا، وفي تلك المرحلة بدأت وسائل الإعلام المرتبطة بالجزيرة وقناة الجزيرة بنفسها في الترويج لحملة تشهير ذات طابع سياسي تستهدف عمري سيرن ، مستشار الأمن القومي لكروز، وفي أواخر أغسطس من نفس السنة بدأت مقاطع الفيديو تتسرب بشكل فيروسي من أعماق قناة الجزيرة حول مشروع فيلم تم إنشاؤه بواسطة صانع أفلام مؤيد للفلسطينيين كان قد أجرى سرا عملية لاذعة استمرت شهورا في واشنطن العاصمة، وسجل خفية محادثات مع يهود أمريكيين.

 كان المخرج، الذي تظاهر بأنه مناصر لإسرائيل بجنسية بريطانية، قد تسلل على وجه التحديد إلى مشروع إسرائيل، وهي منظمة غير ربحية مؤيدة لإسرائيل حيث كان سيرن مدير إدارتها حيث تم تخزين الفيلم الوثائقي الناتج لسنوات من قبل الحكومة القطرية لمنع رد الفعل الدبلوماسي لما بدا وكأنه عملية تجسس ضد يهود أمريكيين يجرون على الأراضي الأمريكية، وفجأة تم إطلاق سراحه شيئا فشيئا وذلك على خلفية قصص تشكك في ولاء هؤلاء اليهود في مواقع مثل ذي انترسبت، وبحلول نهاية أكتوبر تم تسريب الفيلم الوثائقي كاملا.

في سنة 2019، ومع استثمار بلغ 30 مليار دولار في الولايات المتحدة، أعلن جهاز قطر للاستثمار العام الماضي أنه يخطط لرفع هذا المبلغ إلى 45 مليار دولار، مع التركيز بشكل أساسي على التكنولوجيا والعقارات، حيث كان جهاز قطر للاستثمار قد حقق بالفعل نجاحات في قطاع التكنولوجيا عندما اتخذ في ديسمبر 2017 شركة البرمجيات الخاصة جيجامون مقابل 1.6 مليار دولار بالتنسيق مع شركة إليوت مانجمنت. 

وبالنسبة للعقارات، تواصل قطر البناء على ممتلكاتها الأمريكية الواسعة وكمثال (City Center DC)، الذي يعتبر واحدا من أكبر وأشهر المشاريع في واشنطن العاصمة، وفي أبريل 2017، قام وفد من مسؤولي العاصمة ومستثمرين من القطاع الخاص بزيارة الدوحة لتشجيع المزيد من المشاريع العقارية، بما في ذلك الفنادق، حيث تمتلك العديد من الشركات القطرية بالفعل فنادق في العاصمة، مثل شركة الريان للسياحة والاستثمار التي اشترت سانت ريجيس في عام 2015، ومجموعة آل سريع القابضة التي اشترت نادي كواترز  بمبلغ 52.4 مليون دولار في عام 2012 والدولية التي قامت بشراء هوم وود الذي يقع بالقرب من مركز مؤتمرات واشنطن بـ 50.4 مليون دولار في وقت مبكر من سنة 2017.

 إن شركة الدولية التي تعتبر صندوق أسهم خاص عالمي بمليارات الدولارات نيابة عن العائلة المالكة القطرية يستثمر في المجال العقاري والتجاري، حيث أن العديد من عمليات الشراء في العاصمة، بما في ذلك شراء مبنى مكاتب مكون من 12 طابقا في شارع كونيتيكت بنيويورك مقابل 64 مليون دولار، وآخر في شارع توماس جيفرسون مقابل 142 مليون دولار.

 كانت نفس الشركة نشطة في العديد من المدن الأخرى أيضا، فخلال سنة 2019، اشترت الدولية مكتبين عقاريين في الحي المالي في بوسطن مقابل 107.8 مليون دولار، أما في مدينة نيويورك، اشترت العديد من المباني في حي الملابس ‘غارمنت ديستريكت’، أما في عام 2015، اشترت مكتب بناء على في الشارع رقم 39 بمبلغ 123.5 مليون دولار، أما في سنة 2016، قامت بشراء فندق هيلتون هوم وود في الجادة 37، مقابل 167.1 مليون دولار؛ وفي عام 2019، أنفقت 140 مليون دولار على مبنيين آخرين في المنطقة.

أجبرت صفقة عام 2018 لإنقاذ ناطحة سحاب في نيويورك جهاز قطر للاستثمار على تعزيز استراتيجيته الاستثمارية، حيث استثمرت قطر في جهاز بروكفيلد للأصول، والتي أبرمت صفقة لإنقاذ المبنى المسمى 666 بالجادة الخامسة، والمملوك لعائلة جاريد كوشنر، الذي يعمل كمستشار للرئيس وصهره، ومعروف عنه أنه صديق لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومنه قامت القيادة القطرية ، التي ورد أنها علمت أن  هناك صفقة تقدر بـ 1.8 مليار دولار في ذلك الوقت وهو رقم قياسي لمبنى مكاتب في نيويورك ، حيث كانت  قلقة من أن الشراء بدا وكأنه محاولة للتأثير على الإدارة.، وذلك على الرغم من أن جهاز قطر للاستثمار لم يشارك بشكل مباشر في الصفقة ، إلا أن الصندوق القطري قرر التوقف عن ضخ الأموال في الشركات التي لا يسيطر عليها بشكل كامل.

الحقيقة بالطبع هي أن الإنفاق القطري يهدف إلى التأثير على السياسة الأمريكية، إذا كان هناك قلق بشأن صفقة الـ 666 في الجادة الخامسة، فقد بدت ببساطة على أنها صفقة مباشرة من طرف لاعب مؤثر.

استثمرت قطر في صناعات أخرى إلى جانب العقارات، مثل البنية التحتية للطاقة، ففي العام الماضي أبرمت صفقة بقيمة 10 مليارات دولار مع شركة اكسون موبيل بهدف توسيع محطة للغاز الطبيعي المسال في مدينة تكساس، المدينة التي ينتمي لها السناتور تيد كروز.

وزير الخزانة ستيف منوتشين يستقبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في وزارة الخزانة خلال مأدبة عشاء مع الرئيس دونالد ترامب في واشنطن العاصمة، في 8 يوليو

في ربيع 2018، عقدت قطر منتدى أعمال في ميامي، حيث رأت قطر فرصة مع فريق انتر ميامي لكرة القدم الجديد، والمملوك من طرف النجم البريطاني المتقاعد ديفيد بيكهام، ومنه وقعت مؤسسة قطر اتفاقية رعاية بقيمة 180 مليون دولار مع فريق إنتر ميامي.

في أيلول (سبتمبر) 2017، بعد ثلاثة أشهر من فرض الحصار، التقى ترامب مع تميم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأبلغ أحد أعضاء جماعة الضغط القطري رويترز أن الدوحة تعهدت بإنفاق المزيد من الأموال على قاعدة العديد وشراء طائرات من شركة بوينج، وبعد أقل من أسبوع، أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن شراء ست طائرات بوينج بقيمة 2.16 مليار دولار، حيث كانت الدوحة تبني على علاقتها القائمة بالفعل مع الشركة المصنعة وخلال  عام 2016  أبرمت الخطوط الجوية القطرية صفقة بقيمة 11 مليار دولار مع شركة بوينج تضمنت  30787 وحدة من نوع دريملاينر، والتي يتم بناؤها في مدينة تشارلستون التابعة لولاية ساوث كارولينا.

 في فبراير 2018، قام مسؤولون كبار من جهاز قطر للاستثمار بأول رحلة رسمية لهم إلى المدينة حيث صرح عبد الله بن محمد آل ثاني، الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، لكبار رجال الأعمال خلال زيارته لمدينة لتشارلستون، حيث التقى بالسيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، والحاكم هنري ماكماستر: “آمل أن يتطور وجودنا هنا أكثر”.

ذكر جوردان ساتشيل أن المانح الأكبر خلال حملة ماكماستر كان أحد أعضاء جماعة الضغط القطري، عماد الزبيري، الذي يمثل جهاز قطر للاستثمار، وقد منح الحملة مع عائلته والشركات التابعة لها أكثر من 50 ألف دولار، كما كان الزبيري جامعا رئيسيا لحملة كل من أوباما وكلينتون، حيث دعم مؤسسة كلينتون، لكنه تبرع أيضا بنحو مليون دولار للجنة تنصيب ترامب. 

بعد شهر من الرحلة الأولى لجهاز قطر للاستثمار إلى تشارلستون، أنشأت قطر شركة برزان للطيران، وهي شركة تابعة لشركة برزان القابضة، الذراع الاستثماري الاستراتيجي للقوات المسلحة القطرية، “لبناء مبادرة طائرات عسكرية كبيرة ومن المتوقع أن تدعم العديد من الوظائف”.

رحب الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة في الشرق الأوسط مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة انتخاب دونالد ترامب بارتياح، متوقعين العودة إلى الاستراتيجية الإقليمية الأمريكية التقليدية التي كانوا يمثلون حجر الزاوية فيها، حيث قام البيت الأبيض تحت إدارة أوباما باستبدالها بجمهورية إيران الإسلامية، لكن كان ترامب قد رفض الاتفاق النووي الإيراني خلال حملته الانتخابية ووعد بإعادة العلاقات مع السعوديين، قام ترامب بأول زيارة خارجية له إلى الرياض، في 20 مايو 2017، حيث كانت الرحلة ناجحة  وجمع السعوديون قادة من جميع أنحاء العالم الإسلامي والعربي لسماع الرئيس الأمريكي يعدهم بالصداقة بينما وفي نفس الوقت ينصحهم بالتعامل مع مشكلة الإرهاب لديهم. 

لكن وراء الكواليس، احتدم الصراع بين دول مجلس التعاون الخليجي ففي 23 مايو عقدت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) ومعهد هدسون (حيث أعتبر زميلا قدما) مؤتمرا حول قطر والإخوان المسلمين مع مسؤولين أمريكيين سابقين رفيعي المستوى، مثل رئيس البنتاغون السابق روبرت جيتس، وعضو الكونجرس الجمهوري إد رويس، ثم أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب رويس أنه يرعى تشريعا لمعاقبة قطر لدعمها حماس.

تم تمويل المؤتمر من قبل إليوت برويدي، أحد المانحين في حملة ترامب، ونائب رئيس الشؤون المالية للجنة الوطنية الجمهورية، ورجل أعمال فاز بعقود في الإمارات العربية المتحدة لشركته الأمنية الخاصة، ووفقا لرسائل البريد الإلكتروني المسربة إلى وكالة أسوشيتد برس، زعم برويدي أنه حول رويس من كونه ينتقد المملكة العربية السعودية إلى “انتقاد قطر، حيث ألقى محامو برويدي باللوم على قطر لاختراق رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بموكلهم، وكتبوا إلى السفارة القطرية في الولايات المتحدة بأنهم يمتلكون “أدلة دامغة تربط قطر بهذا الهجوم غير القانوني، وكذلك التجسس الموجه ضد مواطن أمريكي بارز داخل أراضي الولايات المتحدة”.

وفي 24 مايو، تم اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، حيث نسبت تصريحات للشيخ تميم ووصف حماس بأنها “الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني”، محذرة من المواجهة مع إيران، وزعم أن علاقاتها مع إسرائيل جيدة، ونفت الدوحة على الفور أن يكون الأمير قد أدلى بهذه التصريحات، لكنها مع ذلك تمثل سياسة قطر وهي الصداقة مع الجميع، وزعمت تقارير لاحقة أن أبو ظبي كانت وراء الاختراق، وهو ما نفاه السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة.

لن تتصاعد لعبة القرصنة المتبادلة بين الخصمين الى بعد يوم 3 يونيو، فقد نشرت ذي انترسبت مراسلات البريد الإلكتروني المخترقة لعتيبة مع الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دوبوفيتز ومستشاره الأول جون هانا، حيث تتضمن رسائل البريد الإلكتروني التي تم اختراقها، وفقا لقصة الصحيفة، جدول أعمال للاجتماع القادم للمؤسسة والمسؤولين الحكوميين الإماراتيين الذي كان من المقرر أن يناقش، “دور قناة الجزيرة كأداة كسبب لعدم الاستقرار الإقليمي”. مع مناقشة مواضيع أخرى.

 بعد يومين وفي 5 يونيو، فرض السعوديون والإماراتيون الحصار، وبذلك راهنوا على أن الرئيس سيقف إلى جانبهم خلال الأزمة وسيحتضن الرئيس السعوديين بقوة، خاصة بعد رقصة السيف في الرياض خلال جولته الاولى في الخارج، وأوضح الرئيس الجديد أن الاستثمار السعودي في الولايات المتحدة، بما في ذلك مشتريات الأسلحة بمليارات الدولارات، يدفع الأمريكيين إلى العمل، لقد رأى أن الملك وولي العهد حليفين قويين وأساسيين في الصراع مع إيران والحرب التي ضد التطرف الإسلامي.

 يقول نيوباور: “رأت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في ترامب فرصة لتسوية قضية قطر بشكل نهائي.”  لقد ساوموا قطر بالإسلام الراديكالي، وبعد ذلك عندما طبقوا الحصار وقف ترامب في البداية إلى جانبهم.

في 6 يونيو، غرد ترامب:

نصح وزير الخارجية آنذاك تيلرسون باتباع نهج أكثر توازناً، بصفته الرئيس التنفيذي السابق ورئيس مجلس إدارة شركة اكسون موبيل، عرف تيلرسون جميع اللاعبين المعنيين، وسرعان ما خفف موقف الرئيس. في 7 يونيو، بعد أن تحدث مع تميم وعرض التوسط في النزاع.

وصرح البيت الأبيض في بيان “شدد الرئيس على أهمية أن تعمل جميع دول المنطقة معا لمنع تمويل المنظمات الإرهابية ووقف الترويج للفكر المتطرف”.

تم تذكير ترامب بأن العلاقات الأمريكية مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي جيدة للأعمال التجارية الأمريكية، وبعد أقل من أسبوع، اشترت الدوحة طائرات إف -15 بقيمة 12 مليار دولار، وفي يوليو من نفس السنة وقعت واشنطن والدوحة مذكرة تفاهم بشأن مكافحة تمويل الإرهاب، ثم وبعد أشهر شكر ترامب في النهاية حاكم قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على مساعدته في مكافحة الإرهاب، وأوضحت قراءات البيت الأبيض أن ترامب “كرر دعمه لمجلس تعاون خليجي قوي وموحد يركز على مواجهة التهديدات الإقليمية”.

كان البيت الأبيض حريصا على حل النزاع بين شركائه في مجلس التعاون الخليجي، وبحسب تميم قال له ترامب: “لن أقبل قتال أصدقائي فيما بينهم.” سيجعل مجلس التعاون الخليجي المتقاتل من الصعب تنفيذ سياسات الشرق الأوسط الأكثر أهمية بالنسبة لترامب وخاصة مواجهة إيران، وسحب القوات من أفغانستان والعراق، وكذلك استعادة التحالف الخاص مع إسرائيل، ودخل البنتاغون على الخط أيضا، مذكّرا البيت الأبيض بأن قطر استضافت قواعد عسكرية مهمة سيكون استبدالها جد مكلف.

أدى الحصار إلى زيادة التركيز على المصالح الاستراتيجية لقطر، حيث كانت المشاركة الدبلوماسية لقطر في واشنطن ضئيلة للغاية، ولم تكن قادرة على التوفيق مع سفير الإمارات العربية المتحدة يوسف العتيبة، المعروف بأنه أحد أكثر مبعوثي العاصمة مهارة وعدوانية، والذي كان يخبر المسؤولين والحلفاء الأمريكيين أن على الإدارة نقل القاعدة الجوية الأمريكية خارج قطر، وسرعان ما بدأ القطريون في إرسال وفود رفيعة المستوى للقاء مراسلي السياسة الخارجية لواشنطن وخبراء في مراكز الفكر.

كما أنفقت الدوحة 4.2 مليون دولار على الضغط في العاصمة في العام الذي سبق الحصار، وعلى سبيل المقارنة فقد أنفق السعوديون 77 مليون دولار في العقد السابق، لكن في سنة 2017 رفعت قطر الإنفاق على جماعات الضغط إلى 16.3 مليون دولار، وهي زيادة هائلة خاصة منذ أن فرض الحصار في منتصف السنة.

بحلول نهاية عام 2017، كانت قطر قد خططت لمسار فريد من نوعه حيث استمعت إلى شخصيات مقربة من إدارة ترامب مثل مستشار حملة ترامب السابق باري بينيت، الذي فازت شركته للضغط بعقد قيمته 6 ملايين دولار مع الدوحة، كما أن عمدة مدينة نيويورك السابق رودولف جولياني عمل على تحقيق يخص القطريين لكنه زار الدوحة قبل وقت قصير من تعيينه كمحامي للرئيس في أبريل 2018.

كما عينت قطر نائب رئيس الأركان لحملة تيد كروز الرئاسية، نيك موزين، للتواصل مع الجالية اليهودية الأمريكية، حيث أقنع هو ومالك مطعم في نيويورك يدعى جوي اللحام شخصيات يهودية بارزة مثل المحامي آلان ديرشويتز، ومورتون كلاين، رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية، ومالكولم هونلين نائب الرئيس التنفيذي لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى بزيارة الدوحة والتحدث مع المسؤولين القطريين، وقال ستيف بانون مستشار ترامب السابق لصحيفة وول ستريت جورنال: “لقد حاولت قطر شيئًا مختلفا”، “إن الحصول على كل هؤلاء المؤثرين، القادة اليهود والأشخاص المقربين من الرئيس يظهر مستوى عال من التطور.”

 ومع ذلك، فإن الاختراق الحقيقي لقطر لن يتحقق حتى خريف 2018، عندما استفادت من الخطأ المأساوي الذي ارتكبته منافستها السعودية.

ففي 2 أكتوبر، قُتل المواطن السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث أن القتل تم على أيدي ضباط المخابرات السعودية، لكن العملية استخدمت كقاعدة لعمليات عديدة تابعة لمختلف الجهات الفاعلة، بأهداف وأغراض متعدد، أرادت المخابرات التركية تثبيت الجريمة على ولي عهد المملكة العربية السعودية، الذي يعتبر المنافس على الصدارة الإقليمية، هناك كان لديهم حليف في قطر، ساعد عملاءه في اسطنبول وواشنطن في نشر القصة في الصحافة الأمريكية، حيث اعتبرتها تركيا فرصة أخرى لاستهداف ترامب وإحياء صفقة إيران من جديد.

من الدوحة، ربط عزمي بشارة الجريمة بترامب، “ما يجب أن يشغلنا ليس مسؤولية محمد بن سلمان عن الفعل الهمجي، لأن هذا أمر مفروغ منه، ولن تغسل مياه بحر العرب يديه من دم خاشقجي، ولن نصدق أي صفقة أو رواية مقترحة له من قبل ترامب وأتباعه. لا، ما يجب أن نسأله هو أي نوع من القادة يتخذ مثل هذا القرار الإجرامي الأحمق؟ “

 من خلال وضع وجه الرئيس الأمريكي على محمد بن سلمان، كان بشارة والآخرون على يقين من تحفيز المقاومة ضد ترامب، فمن المناسب أن يصبح مقتل خاشقجي منصة لعملية إعلامية، فخلال حياته احتل جمال المنطقة الرمادية المعروفة في السياسة العربية حيث يتقاطع الإعلام مع العمليات الاستخباراتية، وكانت علاقة خاشقجي بأسامة بن لادن الصديق الذي حزن على وفاته هي النقطة التي جذبت انتباه رئيس المخابرات السعودية منذ فترة طويلة تركي الفيصل، والذي يبدو أنه استخدمه كقناة خلفية لتنظيم القاعدة حيث عين فيصل خاشقجي “مستشاره الإعلامي” عندما كان سفيرا في لندن  ثم واشنطن  وفي الرياض عينه مرتين لإدارة صحيفة الوطن التي يملكها، وللالتفاف على تلك التفاصيل المزعجة لخلفية خاشقجي، وتعزيزا لأجندته عمل بشارة على إعادة تسمية خاشقجي كـصحفي في جريدة واشنطن بوست و مقيم دائم في الولايات المتحدة،  وبناء على ذلك اضطر ترامب إلى اتخاذ إجراءات ضد الرياض، حيث قال ليندسي جراهام  مشيرا الى نقاط مناهضة للرياض “لا توجد وسيلة لمواصلة التعامل مع المملكة العربية السعودية وكأن هذا لم يحدث أبدا”.

في الواقع وبالطبع كان خاشقجي مواطنا أجنبيا لديه شقة في شمال فيرجينيا وكان بالكاد يستطيع الكتابة باللغة الإنجليزية فقد تم تشكيل الكثير من أعماله في الواشنطن بوست بشكل كبير وفي بعض الأحيان تم كتابة مقالات كاملة باسمه من قبل ضابطة وزارة الخارجية الأمريكية السابقة ماغي ميتشل سالم، حيث ذكرت صحيفة واشنطن بوست بنفسها عمل ماغي سالم لمؤسسة قطر الدولية في واشنطن العاصمة.

ليندسي جراهام والذي كانت ولايته الأم هي المستفيدة من بعض أكبر الاستثمارات المباشرة من قبل قطر، والمسؤولة عن خلق آلاف الوظائف في الولاية، كانت هجماته قاسية ضد محمد بن سلمان، حيث قال غراهام: “ليس لدي أدنى شك في أن مقتل السيد خاشقجي كان مدبرا من قبل ولي العهد ووافق عليه وكان لديه معرفة مسبقة بالموضوع.”  وأضاف: “لا توجد كمية نفطية تخرج من المملكة العربية السعودية ولا يوجد تهديد من إيران يدفعني إلى التراجع.”  بعد إحاطة وكالة المخابرات المركزية بشأن جريمة القتل، قال جراهام: “أعتقد أنه متواطئ في مقتل السيد خاشقجي على أعلى مستوى ممكن”.

واشنطن بوست، التي ألقى مالكها جيف بيزوس، باللوم على ولي العهد السعودي لاختراق هاتفه الشخصي وإطلاق اتصالات مخترقة مع عشيقته، لكن (ورد أن المدعين الفيدراليين لديهم دليل على أن الصور تم نشرها من قبل شقيق عشيقة بيزوس)، كما طالب عضو ضغط جمهوري بارز اسمه إد روجرز من مجموعة الضغط السياسيBGR) ) أن تتوقف عن تمثيل المملكة العربية السعودية وإلا فلن يكون قادرا على الكتابة لصحيفة البوست التي تعتبر مسقط رأس الكونغرس. 

بعد ذلك قطعت ست شركات ضغط علاقاتها مع الرياض.

وقف الرئيس إلى جانب محمد بن سلمان، لنفس السبب الذي جعله يتصالح بسرعة مع القطريين، فهذا أمر جيد للأعمال الأمريكية كما أوضح ترامب في بيان صدر في نوفمبر 2018 بعد رحلة إلى المملكة العربية السعودية، “وافقت المملكة على إنفاق واستثمار 450 مليار دولار في الولايات المتحدة … وذلك سيخلق مئات الآلاف من فرص العمل، وتنمية اقتصادية هائلة، وثروة إضافية كبيرة للولايات المتحدة، ومن أصل 450 مليار دولار، سيتم إنفاق 110 مليار دولار على شراء معدات عسكرية من شركة بوينج ولوكهيد مارتن و شكرة رايثيون والعديد من مقاولي الدفاع الأمريكيين الكبار، فإذا قمنا بإلغاء هذه العقود بحماقة  فإن روسيا والصين ستكونان المستفيدين الكبيرين، ونحن سعداء للغاية لاكتساب كل هذه الأعمال الجديدة،  غير ذلك ستكون هدية رائعة لهم مباشرة من الولايات المتحدة!”.

يبدو أنه طالما استمر الصراع في دول مجلس التعاون الخليجي فإن بيلتواي ستستمر في جني الأرباح، وكذلك المدن الأمريكية الأخرى، من نيويورك إلى تشارلستون، والصناعات الأمريكية من الدفاع إلى التعليم، حيث يقول أحد أعضاء جماعة الضغط السعودية في واشنطن: “يعتقد الطرفان أن بإمكان ترامب أن يفرض حلا مواتيا لك وسيئا لخصومك” حيث صرح صحفي سعودي بارز: “فرضت الولايات المتحدة حظرا على كوبا دام أكثر من نصف قرن.”، “يمكننا بالتأكيد أن نفعل الشيء نفسه وإذا كان أي شخص يستطيع أن يتحمل ذلك ماديا فإن قطر تستطيع.”

وفي الواقع فقد اعتادت دول الخليج على مستوى معين من الصراع الداخلي وإدارة الديناميكيات الخلافية والقبلية إلى حد ما، ومع ذلك فهي ليست محصورة في الخليج، لقد أتاحت الثروة الهائلة فرصة للجهات الفاعلة المعنية لتصدير الصراع إلى الخارج، فالمسألة إذن ليست قطر أو أي من دول مجلس التعاون الخليجي، ولا أحد منها يجبر الأخر على أخذ أمواله، لكن وبدلا من ذلك فإن الصراع يسلط الضوء على تحطم المجال العام للولايات المتحدة وخاصة إعلامنا ونظامنا السياسي الممزق.

منذ ما يقرب من الأربع سنوات انشغلت الصحافة ونصف الناخبين بتمثيلية شريرة مفادها أن الرئيس الأمريكي مدين بالفضل لروسيا، على الرغم من كل الضرر الذي أحدثته فإن نظرية المؤامرة تؤكد على القلق الحقيقي الذي يتقاسمه الناخبون عبر الطيف السياسي وذلك بأن لديهم القليل من المعرفة بالأدوات والآليات المختلفة المستخدمة لتشكيل حياتهم، وأن من يختارون لهم ذلك قد لا يفعلونه دائما من أجل أمن وازدهار الشعب الأمريكي في المقام الأول.

شاهد أيضاً

كيف تستغل إيران الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في جميع أنحاء الشرق الأوسط

بدأت وسائل الإعلام الموالية لإيران في الاهتمام بالاحتجاجات ضد إسرائيل التي اندلعت في الأردن. ويشير …