إن احتمال تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وهو الاسم الذي أطلق رسميا على الاتفاق النووي الإيراني [i]الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب، يثير قلق عدد من الحكومات العربية، حيث تعتقد تلك الدول أن الاتفاق الأصلي لم يكن فعال بشكل كافي لوقف العدوان[ii] العسكري الإيراني والاستفزازات[iii] المستمرة في الشرق الأوسط، فقد أعلنت إيران الشهر الماضي أنها استأنفت[iv] تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، حيث تم اعتبار هذه الحادثة خرقا لاتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، كما وصفت وزارة الخارجية الأمريكية هذه الخطوة على أنها “ابتزاز نووي”.
خلال سنة 2015، وقعت ست دول تضم كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، اتفاقًا مع إيران يحد من نسبة تخصيب اليورانيوم تقدر بـ 3 إلى 4 في المائة، حيث أن اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة يتطلب مستويات تخصيب تصل الى 90 بالمئة، وهذا ما يثير القلق حيث يعتبر الانتقال من تخصيب 3 في المئة مباشرة الى 20 بالمئة أسهل وأسرع طريقة لصنع أسلحة نووية، فبعد هذه النقطة، فإن تخصيب ما يكفي من مادة اليورانيوم بهدف صنع قنبلة نووية هي مسألة وقت فقط.
وفي تصريح للرئيس الأمريكي جو بايدن خلال مقابلة مع شبكة سي بي إس أذيعت يوم الأحد قال إن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عن إيران قبل أن توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، حيث يعكس هذا التعليق ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصحفيين يوم 27 كانون الثاني / يناير: “تعتبر إيران خارجة عن الامتثال في عدد من الجبهات، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتخذ قرارها بالعودة للامتثال.”
كما رفض المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تصريح الرئيس بايدن وقال: “إن الجانب الذي يحق له وضع شروط لخطة العمل الشاملة المشتركة هي دولة إيران”، ثم أضاف “لأنها التزمت بجميع عهودها، ولا يحق ذلك للولايات المتحدة أو 3 دول أوروبية أخرى خالفت التزاماتها بالفعل”، كما غرد عبر منصة تويتر في وقت لاحق يوم الأحد قائلا: “لقد بدأت حقبة ما بعد الولايات المتحدة”، حيث كان يشير علي خامنئي إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي حذرت سابقا إيران من زيادة تخصيب اليورانيوم، كما أعربت إيران عن رفضها لاقتراح قدمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبدأ مفاوضات جديدة تشمل المملكة العربية السعودية.
وكان الرئيس الفرنسي ماكرون قد صرح لشبكة العربية قائلا “إن الحوار مع إيران سيكون صارما ويجب عليهم إشراك حلفائنا في المنطقة من أجل اتفاق نووي وهذا سيشمل المملكة العربية السعودية”. حيث أن المملكة قدمت لتكون “وسيط نزيها” بين الولايات المتحدة وإيران وكذلك بين إيران من جهة والمملكة العربية السعودية واسرائيل من جهة اخرى.
كانت إيران في وقت سابق قد أطلقت ما وصفته وزارة دفاعها على أنه أقوى محرك يعمل بالوقود الصلب توصلت له حتى تاريخ 1 فبراير، وكان هذا الإطلاق بمثابة اختبار أولي لحاملة الأقمار الصناعية الهجينة المسماة “ذو الجناح” بهدف إجراء اختبار شبه مداري، حيث يمكن أن يحمل الصاروخ 500 رطل وهو ما يكفي لإطلاق قمر صناعي في مدار أرضي منخفض، كما أنها تعتبر قفزة تكنولوجية لبرنامج الفضاء الإيراني ويمكن استخدامها لحمل رؤوس حربية نووية.
كما كشفت إيران الشهر الماضي عن قاعدة صواريخ تحت الأرض على ساحل الخليج العربي، وبعد ذلك وفي 16 يناير زعمت إيران أنها اختبرت بنجاح صواريخ باليستية طويلة المدى ضد هدف افتراضي على بعد 1125 ميلا في المحيط الهندي.
حتى الآن لا يبدو أن أي مفاوضات جديدة ستشمل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني المتقدم، وكان وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قد صرح قائلا “اتفقنا منذ البداية (يقصد المفاوضات النووية) على أن القضايا الإقليمية والصاروخية لن يتم التفاوض عليها خلال خطة العمل الشاملة المشتركة”، ثم اضاف ” قد اثيرت قضية الصواريخ لكننا رفضنا التفاوض بشأنها ودفعنا ثمن عدم الحديث عنها.”
إثارة العنف الإقليمي
بغض النظر عن برنامجها الصاروخي المتطور، قامت إيران بدعم وتدريب وتمويل الجماعات الإرهابية في المنطقة لعقود، ويتضمن ذلك الحوثيون في اليمن وحزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة والميليشيات الشيعية في العراق مثل قوات التعبئة الشعبية، حيث يعتقد الإيرانيون أنه ومن خلال هذه المجموعات التي تقاتل بالوكالة يمكنهم أن يتحكموا في مصير العديد من الدول العربية في المنطقة.
وفي وقت مضى صرح زعيم حزب الله حسن نصر الله في سنة 2016: “نحن منفتحون على حقيقة أن ميزانية حزب الله ودخله ونفقاته وكل ما يأكله ويشربه وأسلحته وصواريخه مصدرها جمهورية إيران الإسلامية”.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز خلال الأسبوع الماضي ان الامر سيستغرق إيران نحو ستة أشهر لإنتاج مواد انشطارية كافية لصنع سلاح نووي واحد، كما صرح في مقابلة اخرى ان ادارة ترامب ألحقت أضرارا بالغة بخصوص المشروع النووي الإيراني وأتاحت الفرصة لإيران لتراكم قوتها.”
وبدلا من الضغط على النظام الإيراني، ترسل إدارة بايدن إشارات سلبية إلى السعوديين والإماراتيين، حيث تم تجميد بيع مقاتلات F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة بصفقة قدرت بـ 23.37 مليار دولار، وتهدف هذه الصفقة إلى ردع التهديدات الإيرانية، وكان هذا القرار سبقه قرار مماثل صدر بخصوص صفقة الأسلحة التي تخص المملكة العربية السعودية، وقد قللت وزارة الخارجية الإماراتية من أهمية هذا القرار حيث قالت أنها توقعت أن القرارات السابقة سيتم مراجعتها من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة، وأضافت أن هذه الصفقة على وجه التحديد أكثر بكثير من مجرد بيع معدات عسكرية لشريك استراتيجي.
علاوة على ذلك، أوقف الرئيس الأمريكي بايدن دعمه للحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين المدعومين من قبل إيران في اليمن، حيث صرح يوم الخميس قائلا “نحن نعمل على تكثيف دبلوماسيتنا لإنهاء الحرب في اليمن التي تسببت في كارثة إنسانية واستراتيجية”، وسيشمل ذلك وقف صفقة الأسلحة التي تعتبر جد مهمة للملكة العربية السعودية.
خلال سنة 2015 استولى المتمردون الحوثيون على السلطة، وتدخلت المملكة العربية السعودية وحلفاء عرب آخرون لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي بهدف منع السيطرة على اليمن بالكامل من خلال حرب بالوكالة تدعمها إيران، حيث تسببت هذه الحرب في مقتل أكثر من 100 ألف شخص وتشريد 4 ملايين يمني، وفي المقابل استهدف الحوثيون السعودية بالصواريخ الباليستية وعبر هجمات بالطائرات المسيرة ضد منشآت إنتاج النفط وأهداف مدنية أخرى، ومع ذلك فقد أخطرت إدارة بايدن الكونغرس أنه سوف يتم إزالة المجموعة إرهابية اليمنية من قائمة الارهاب.
وقد تم اتهام الحوثيين بسرقة المساعدات الإنسانية من اليمنيين المتضررين بسبب المجاعة، وقال ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إن الوكالة وجدت “أدلة دامغة” على تحويل الإمدادات الغذائية من العاصمة صنعاء ومناطق أخرى يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، كما منع الحوثيون اللقاحات ضد المرض مما أدى الى تفشي مرض الكوليرا بشكل غير مسبوق.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أن قرار عدم بيع الأسلحة ليس له علاقة برؤيتنا للحوثيين وسلوكهم المستهجن، بما في ذلك الهجمات على المدنيين وخطف المواطنين الأمريكيين”، وأضافت “إن ما نقوم به يستند بالكامل على الأضرار الإنسانية التي سببها القرار الذي اتخذ من طرف الإدارة السابقة بشكل غير مدروس، والذي أوضحت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية منذ ذلك الحين أنه سيعجل ببداية أسوأ أزمة إنسانية في العالم.”، لكن بعد ذلك بيومين فقط، وجدت وزارة الخارجية نفسها تنتقد نفس المجموعة بسبب هجمات استخدمت فيها طائرات مسيرة استهدفت المملكة العربية السعودية، حيث تلقى هذه الأفعال إدانة كبرى في المنطقة.
موعد محبط
عين الرئيس بايدن روبرت مالي، كبير مفاوضي باراك أوباما في الملف النووي، مبعوثا إلى إيران، حيث أثار هذا القرار القلق والارتباك بشأن نهج إدارة بايدن تجاه إيران، وكما كتب الصحفي إيلي لاك” إن دعوة مالي العلنية خارج الأوساط الحكومية، من شأنها تقويض مهام سوليفان وبلينكين الرامية إلى إبرام اتفاق أقوى من الذي ساعد روبرت مالي في التفاوض بشأنه فيما سبق. “، وفي غضون ذلك، واصلت البحرية الإيرانية عمليات القرصنة في الخليج العربي، حيث اختطفت سفينة كورية جنوبية في الخليج العربي يوم 5 يناير، وطالبت السلطات الإيرانية بتسريح تجميد 7 مليار دولار من البنوك كوريا الجنوبية وكان ذلك نتيجة للعقوبات الأمريكية على إيران، حيث أن إيران قد أفرجت عن أفراد الطاقم يوم 2 فبراير لكنها لم تكسب أي أموال من العميلة، وفي وقت سابق من سنة 2019، احتجزت إيران سفينتين نفطيتين بريطانيتين واحتجزت أفراد الطاقم لعدة أشهر، حيث أن إيران تملك عشرات المليارات عبارة عن أصول مجمدة، معظمها من صادرات النفط والغاز التي تم حظرها في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم نتيجة للعقوبات الدولية.
خلال اجتماع الشهر الماضي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف اتهم وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إيران بإحداث فوضى في المنطقة، حيث امتلأت وسائل الإعلام الحكومية في الخليج بمقالات حول الخطر التي تمثله إيران، وفي نفس السياق كتب بهاء العوام الصحفي السوري المقيم ببريطانيا في صحيفة العين الإماراتية قائلا “أن إيران غير النووية خطيرة بما فيه الكفاية للجميع لاتخاذ موقف ضد سلوكها العدائي”، “ومن يسعى لردعها عن امتلاك سلاح نووي فعليه أن يعلم أن امتلاك هذا السلاح هو مجرد مظهر من مظاهر ذلك السلوك العدواني وليس مصدره، حيث أن الحكام في إيران يسعون للحصول على الطاقة النووية لتمكينهم من العداء والتصعيد ضد المنطقة وشعوبها، وترهيب العالم “، وكان للمعارضة الإيرانية رأيها أيضا، حيث طالب 38 شخصا من قادة المعارضة المتمركزين في إيران بمن فيهم زعيم المعارضة الإيرانية المعروف حشمت طبرزادي من الرئيس بايدن بعدم استرضاء النظام الإيراني أو رفع العقوبات الاقتصادية، حيث قال الموقعون “أن إيران أنفقت مليارات الدولارات المكتسبة من الاتفاق النووي وعملت على تصدير أيديولوجيتها الشمولية من خلال توفير الأموال اللازمة لشبكات الإرهابيين، وتطوير تكنولوجيا الصواريخ كوسيلة ضغط هجومي للسيطرة على الخليج الفارسي (العربي)وما جاورها وكذلك التسبب في الفوضى في الشرق الأوسط”
يتزايد حذر دول الخليج يوما بعد يوم خاصة مع استئناف إيران للأنشطة النووية، ويتفاقم الأمر بسبب سياسات بايدن المترددة تجاه إيران وحلفائها الإرهابيين في المنطقة، ونظرا لمخاطر استعداء حلفاء أمريكا من العرب وإسرائيل بهدف احتواء أحد أكبر أعداء الولايات المتحدة لمدة أربعة عقود، قد يرغب بايدن في التحرك بحذر للالتزام باتفاق نووي مع النظام الإيراني دون ضمانات صارمة.
هاني غرابة كاتب مصري، سياسي ومحلل مختص في مكافحة الإرهاب في الأهرام ويكلي، مؤلف كتاب الربيع العربي في مصر: الطريق الطويل والمتعرج نحو الديمقراطية ومساهم منتظم في البي بي سي.