في الفترة من 8 إلى 12 مارس ، قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر لمناقشة القضايا الإقليمية والدولية
بدأت الجولة مع دولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث التقى لافروف ولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان ومستشار الأمن الوطني طحنون بن زايد آل نهيان
واستثنت السلطات الإماراتية الوفد الروسي الذي استقبله في إمارة أبوظبي ، رغم أنه مغلق في الغالب للزيارات بسبب جائحة فيروس كورونا
كما تم إطلاق سراح الوفد من الحجر الصحي الإجباري لمدة 10 أيام، ومع ذلك ، كان على لافروف والوفد إجراء اختبارات PCR قبل لقاء ولي العهد
وفي مؤتمر صحفي عقب الإجتماع ، أشاد الوزراء الروسي والإماراتي بتطورات العلاقات الثنائية ، وأكدوا “تداخل أو تشابه المقاربات” تجاه أزمات الشرق الأوسط ، ووعدوا بمواصلة “التنسيق الوثيق” في سوريا وليبيا واليمن
فاجأ وزير الخارجية الإماراتي الصحفيين بقوله إن العقوبات الأمريكية كانت العقبة الرئيسية أمام استئناف الحوار مع سوريا، كما تحدث مؤيداً عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومصالحتها مع دول المنطقة العربية ، الأمر الذي اعتبر مجاملة لروسيا التي دأبت على المطالبة برفع العقوبات عن سوريا وإعادتها “للأسرة العربية”
فيما يتعلق بإسرائيل ، رحب لافروف مرة أخرى بتطبيعها مع الدول العربية ، بما في ذلك مع الإمارات العربية المتحدة، لكنه شدد على أن “تسوية عادلة للقضية الفلسطينية يجب ألا تنحى في الخلفية”
ثم تحول لافروف إلى إيران وشجع الدول العربية على التحدث مع طهران ، قائلا إن “التعزيز والثقة والشفافية في البناء العسكري” سيعزز أمن المنطقة
قد يكون لجهود لافروف لدفع الدول العربية إلى علاقات أفضل مع إيران معنى أعمق من مجرد الرغبة في المساهمة في الأمن الإقليمي ، مع الأخذ في الإعتبار التصريح الأخير للرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال إنه مستعد للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني
تتطلب الخطوات في هذا الإتجاه تنسيق واشنطن مع حلفائها العرب ، وبما أن الإمارات العربية المتحدة هي اللاعب الإقليمي الوحيد الذي لديه اتصالات مع إيران ، يمكن لروسيا أن تطلب مساعدة الإمارات في تليين موقف أصحاب المصلحة الآخرين
كما عقد لافروف اجتماعا غير مخطط له مع رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري ، الذي يحاول تشكيل حكومة منذ تفجيرات بيروت القاتلة عام 2020
حتى الآن ، كانت فرنسا الوسيط الرئيسي بين الأطراف اللبنانية دون نجاح كبير، الوضع في البلاد آخذ في التدهور ، ويبدو أن الحريري بحاجة إلى أي مساعدة يمكن أن يجدها، وشدد لافروف مراراً على أن علاقات موسكو جيدة مع كافة الأطراف اللبنانية ، كما يمكن لروسيا أن تضع كلمة طيبة للحريري مع إيران والدول العربية ، حيث أن موقفها مهم في مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية
زيارة الرياض
كانت زيارة لافروف إلى الرياض هي الأقصر، أمضى أقل من يوم في العاصمة السعودية وعقد اجتماعين – مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية فيصل بن فرحان آل سعود
أصبح لافروف أول دبلوماسي أجنبي رفيع المستوى يصل إلى المملكة العربية السعودية بعد أن حملت الولايات المتحدة مسؤولية مقتل الصحفي جمال خاشقجي مباشرة على بن سلمان
من غير المحتمل أن يكون لزيارة لافروف أي علاقة بالإعلان الأمريكي لأن زيارته للمملكة كانت مخططة مسبقًا ، ومع ذلك ، فإن روسيا “تدعم معنويًا” المملكة العربية السعودية للمرة الثانية في القضية – في عام 2018 كان بوتين يلتقي بن سلمان في قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس مباشرة بعد أن زعمت تسريبات إعلامية أن الأمير متورط بشكل مباشر في مقتل خاشقجي
وفي حديثه في مؤتمر صحفي ، عقب الإجتماع مع نظيره السعودي ، أشار لافروف إلى أنه على الرغم من جائحة فيروس كورونا ، نما حجم التجارة بين روسيا والسعودية إلى ما يقرب من 1.7 مليار دولار
وقال أيضا إن الوزيرين ناقشا تنظيم المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح Sputnik V في المملكة العربية السعودية وكذلك إنتاجه في البلاد ، وأكدا على استعدادهما لمواصلة التعاون وتنسيق الجهود في أسواق النفط العالمية ، بما في ذلك داخل المملكة
وفيما يتعلق بالآفاق ، قال لافروف إن هناك “إمكانات كبيرة لتنفيذ مشاريع تطلعية في استكشاف الفضاء والطاقة النووية”
وفي حديثه عن الشؤون الإقليمية ، قال لافروف إن روسيا مستعدة “لتقديم المساعدة اللازمة” للتوصل إلى “تطبيع طويل الأمد في المنطقة” ، مما يعني تحسين العلاقات مع إيران ، لكن وزير الخارجية السعودي أوضح أن موقف المملكة من إيران بقي دون تغيير ، متهما إياها بدفع المتمردين اليمنيين لمهاجمة السعودية
وامتنع لافروف عن إلقاء اللوم على أي من الجانبين في اليمن قائلا “على الجميع الإلتزام بالقانون الدولي”
واتخذ فيصل بن فرحان آل سعود موقفاً منضبطًا من التسوية السورية ، رغم أنه قال إن على سوريا أن تعود “إلى الحضن العربي وتحقق الإستقرار والأمن”
كان تعليق لافروف على سوريا مقتضباً أيضاً ، ولم يشر أي من الوزراء إلى زيارة المبعوث الرئاسي الروسي لسوريا إلى الرياض في اليوم السابق ، الذي قيل إنه يسعى للحصول على دعم السعودية في التعامل مع المعارضة السورية
وأعرب الوزراء عن دعمهم لتشكيل “هيئات حكومية ليبية دائمة” وبعد عدة دقائق أصبح معروفا بالبرلمان الليبي بممثلين عن الجانبين ، وافق على حكومة جديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة
وحث لافروف مرة أخرى على إصدار قرار بشأن القضية الفلسطينية على أساس القانون الدولي القائم ، مذكرا أنه يشمل مبادرة السلام العربية التي اقترحها العاهل السعودي الملك عبد الله
وقال لافروف إن “الإستقرار طويل الأمد للشرق الأوسط بأكمله سيكون معقدا بشكل جوهري دون حل جميع القضايا على أساس المبادئ التي تم الإتفاق عليها في إطاره”
ولادة “شكل الدوحة”
اتسمت زيارة لافروف إلى قطر بإرساء الصيغة الثلاثية الجديدة بشأن سوريا – روسيا وقطر وتركيا، وستكون الصيغة “مكملة” لصيغة أستانا وستتناول الجوانب الإنسانية ، كما أوضح وزراء خارجية الدول الثلاث في مؤتمر صحفي بالدوحة
في وقت لاحق ، أصبح معروفًا أن روسيا دعت أيضًا قطر للمشاركة في اجتماع موسكو حول أفغانستان ، مما أضاف إلى سمعة قطر المتنامية باسم “سويسرا العربية” – منصة محايدة للمحادثات حول القضايا المثيرة للجدل
بصرف النظر عن الإجتماع الثلاثي مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني ، كان في استقبال لافروف أيضًا الأمير تميم بن حمد آل ثاني وأجرى محادثات مع وزير الدولة للدفاع خالد بن محمد العطية
وبحسب وزارة الخارجية الروسية ، فقد تم التركيز بشكل رئيسي في الإجتماعات على ضرورة التوصل في أسرع وقت ممكن إلى حلول سياسية للصراعات في سوريا وليبيا ، وتسوية موثوقة وطويلة الأمد للصراع العربي الإسرائيلي ، وتعزيزها لعملية المصالحة الوطنية الأفغانية
وقال أيضا إن روسيا وقطر متحدتان في الرأي لاتخاذ “خطوات عملية” من شأنها أن تشكل أجندة بناءة وموحدة في الخليج الفارسي وتسهم في إنشاء نظام لضمان الأمن الجماعي والإستقرار والتنمية المستدامة