تتجه الأحزاب السياسية العراقية المقربة من إيران إلى تسوية ملفات السياسيين السنة المقربين من تركيا المتهمين بالضلوع في أعمال إرهابية، حتى أن بعضهم حوكم وأدين لكنهم فروا من البلاد ، مثل نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي ، الذي له علاقات وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين
وعلى الرغم من الخلافات المذهبية والعقائدية بين الأحزاب الشيعية التي قادت العراق بعد 2003 والحركات السياسية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين ، يبدو أن مصالح الجانبين تتقارب
منذ سقوط النظام البعثي بعد الغزو الأمريكي للعراق ، نسقت إيران مع الإخوان المسلمين في العراق كسياسة
ويشير محللون إلى أن رشيد العزاوي ، الأمين العام الحالي للحزب الإسلامي ، الذراع العراقية لحركة الإخوان المسلمين ، قضى نحو نصف عمره في إيران ، وهو ما يفسر علاقته الوثيقة برجال طهران في بغداد ، مثل نوري المالكي وهادي العامري وفالح الفياض وغيرهم
وقالت مصادر سياسية مطلعة إن فياض ، قائد قوات الحشد الشعبي ، يقوم شخصياً بخطوات لإبرام تسويات قضائية تسمح بعودة بعض الشخصيات السياسية السنية من المنفى
– اعترافات مخيفة –
ومن بين هؤلاء ، هاشمي ، نائب الرئيس السابق، وسبق أن بث التلفزيون العراقي الرسمي ما زعم أنه اعترافات لفريق أمن الهاشمي ومساعديه الشخصيين والعديد من الأقارب بأنهم ارتكبوا اغتيالات وتفجيرات وعمليات خطف بين عامي 2006 و 2010 بأوامر وإشراف مباشر من الهاشمي
من بين جميع السياسيين السنة الذين حوكموا بتهم الإرهاب والفساد ، لا سيما في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ، يُنظر إلى الهاشمي بأكبر قدر من الشك في الأوساط السنية والشيعية
الهاشمي ضابط سابق في الجيش العراقي تم فصله من الخدمة للإشتباه في الفساد، بعد عام 2003 ، برز كقائد بارز في الحزب الإسلامي وتقلد مناصب مهمة ، حتى تولى منصب الأمين العام لمدة أربع سنوات، ومع ذلك ، فقد استقال من الحزب لخوض انتخابات 2010 من خلال ما يسمى بالقائمة “العلمانية” بقيادة الليبرالي الشيعي إياد علاوي
وصفت خطوة الهاشمي بأنها انتهازية سياسية لأنها نقلته إلى منصب نائب الرئيس غير المتوقع ، وهو ما كان يستحيل عليه تحقيقه دون التخلي عن سفينة الحزب الإسلامي
كان الهاشمي ، الذي كان نائبًا للرئيس ، متهمًا في البداية باستخدام صلاحياته وقدراته التنفيذية لتنفيذ عمليات طائفية ، على الرغم من جهوده لمنع تسرب هذه الإتهامات إلى الشارع السني، لسوء حظه ، لم يكن يحظى بشعبية كبيرة بين السنة ، لذلك عندما تم نشر خبر مذكرة توقيف بحقه في عام 2011 بتهمة القتل العمد ، لم يكن هناك أي تعبير عن التضامن من الشارع السني
لإنقاذ جلده ، هرب الهاشمي إلى إقليم كردستان العراق ثم إلى تركيا ، حيث جدد اتصالاته مع جماعة الإخوان المسلمين وانخرط في أنشطتها
يعتقد المحللون أن الخطوة الإيرانية لإعادة الهاشمي وشخصيات سياسية سنية أخرى قد تكون أداة لخلق المزيد من الانقسامات في الجسم السني في المجتمع العراقي ، قبيل الانتخابات العامة المبكرة المقرر إجراؤها في الصيف المقبل. من المتوقع أن تدخل الانتخابات عدة تغييرات على معادلة الحكم في العراق
مع استعدادهم للإقتراع ، لا يتوقع أن تتمتع الأحزاب الشيعية التي قادت العراق خلال الفترة الماضية بنفس الظروف المريحة التي كانت عليها في الإنتخابات السابقة ، حيث لم يعد بإمكانها إخفاء الآثار السلبية لحكمها على جميع العراقيين، حتى الناخبون الشيعة ، الذين تعتبرهم هذه الأحزاب خزانهم الإنتخابي ، ثاروا ضدهم في الإنتفاضة التي اندلعت في أكتوبر 2019، وفي الإحتجاجات المستمرة يدين الناشطون الطبقة الحاكمة ويطالبون بتنحيها
على هذه الخلفية انطلقت عملية إعادة ترتيب الأوراق وإعادة تشكيل التحالفات الحزبية استعدادًا للإنتخابات ، دون نتائج مضمونة
تدرك إيران وأتباعها في العراق أن تفتيت المشهد السياسي السني هو أفضل طريقة لتأمين دعم صغار الحلفاء السنة أثناء الإنتخابات وبعدها
لهذا السبب ، لن تجد إيران حليفًا أفضل من الإخوان المسلمين للعمل معه في العراق ، حيث تعاون الحزبان بشكل فعال منذ عام 2003
ويقول مراقبون إن إيران تسعى لبناء تفاهم في العراق مع تركيا ، وتحديداً رئيسها رجب طيب أردوغان ، ليكون بديلاً عن أي تفاهم مع الخليج أو الولايات المتحدة، يمكن للحزب الإسلامي العراقي أن يكون بوابة مثالية لهذا النوع من التعاون
على الرغم من المشاركة الثابتة للسياسيين السنة العراقيين في العملية السياسية الجارية في العراق لأكثر من سبعة عشر عامًا ، إلا أن هؤلاء السياسيين لم يتمكنوا من تشكيل كتلة فعالة في معادلة الحكم ، ولم يحققوا أي إنجازات مهمة للمكون الإجتماعي الذي يدعون أنه يمثلونه، ولم ينجحوا في حمايتها ودرء الأخطار والأذى العديدة التي حلت بها ، بسبب الخلافات الكثيرة بينهم وبين خوضهم لتحالفات غير متكافئة مع القوى الشيعية المسيطرة على مقاليد السلطة لتحقيق مكاسب شخصية بحتة
التحرك ضد الحلبوسي
في الآونة الأخيرة ، ظهر صراع داخلي ابتليت به الدوائر السياسية السنية مرة أخرى حيث انخرطت بعض الشخصيات السنية في جهود لإقالة السياسي السني الصاعد محمد الحلبوسي من منصب رئيس البرلمان
قاد هذه الجهود رئيس مجلس النواب العراقي السابق أسامة النجيفي المعروف بتعاطفه مع إيديولوجية الإخوان المسلمين وعلاقاته الوثيقة مع تركيا
وكان النجيفي قد شكل كتلة سياسية جديدة تضم 35 نائبا سنيا وشخصيات سياسية تسمى جبهة العمل العراقية ضد الحلبوسي، مقارنة بالنجيفي وغيره من السياسيين السنة المخضرمين ، تميز الحلبوسي بعمله السياسي الدؤوب ومبادراته على الرغم من افتقاره للخبرة السياسية
وانضمت إلى جبهة النجيفي الجديدة شخصيات سنية معروفة مثل أحمد الجبوري ورشيد العزاوي وفارس الفارس وطلال الزبيعي ومحمد إقبال، وتقول مصادر سياسية إن أنقرة تعمل عن كثب مع النجيفي لتمكين الجبهة الجديدة وتقدم خبرتها السياسية ومساعدتها المالية لضمان نجاحها




